في تصريح بارز لصحيفة «عكاظ»، أكدت المستشارة الملكية البريطانية أماندا بينتو (KC) أن التقنية لم تعد مجرد أداة مساعدة في الأنظمة القضائية، بل أصبحت تمثل “قلب العدالة الحديثة”، مشيرة إلى تحول جذري في كيفية إدارة القضايا وتحقيق العدالة في العصر الرقمي. يعكس هذا التصريح اتجاهاً عالمياً متسارعاً نحو دمج التكنولوجيا في كافة مفاصل العمل القانوني والقضائي.
خلفية تاريخية: من قاعات المحاكم التقليدية إلى الفضاء الرقمي
تاريخياً، ارتبطت الأنظمة القضائية، وخصوصاً النظام الإنجليزي العريق، بالإجراءات التقليدية والاعتماد الكثيف على المستندات الورقية والحضور المادي في قاعات المحاكم. لكن على مدى العقدين الماضيين، بدأت رحلة التحول الرقمي تتسارع، مدفوعة بالحاجة إلى زيادة الكفاءة والشفافية وتسهيل الوصول إلى العدالة. وقد شكلت جائحة كوفيد-19 نقطة تحول حاسمة، حيث أجبرت المحاكم في جميع أنحاء العالم على تبني جلسات الاستماع الافتراضية والمنصات الرقمية لضمان استمرارية العمل القضائي، مما أثبت فعالية هذه الأدوات وقدرتها على تخطي الحواجز الجغرافية والزمنية.
أهمية التحول الرقمي وتأثيره المتوقع
إن دمج التقنية في النظام القضائي يحمل في طياته تأثيرات عميقة على مختلف المستويات. فعلى المستوى المحلي، يساهم التحول الرقمي في تقليل أمد التقاضي، وخفض التكاليف على المتقاضين والدولة على حد سواء، وتعزيز الشفافية من خلال أرشفة السجلات إلكترونياً وتسهيل الوصول إليها. ومن أبرز التقنيات التي تقود هذا التحول:
- الذكاء الاصطناعي (AI): يُستخدم في تحليل كميات هائلة من البيانات القانونية والسوابق القضائية بسرعة فائقة، مما يساعد القضاة والمحامين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة.
- جلسات المحاكمة الافتراضية: تتيح للمتقاضين والشهود والمحامين المشاركة في الإجراءات القضائية عن بعد، مما يعزز الوصول إلى العدالة خاصة للمقيمين في مناطق نائية أو ذوي القدرة المحدودة على الحركة.
- المنصات القضائية المتكاملة: مثل منصة “ناجز” في المملكة العربية السعودية، التي توفر مجموعة واسعة من الخدمات القضائية إلكترونياً، بدءاً من رفع الدعاوى وحتى تنفيذ الأحكام، مما يجسد رؤية المملكة 2030 في التحول الرقمي الحكومي.
الأبعاد الإقليمية والدولية
لا يقتصر هذا التحول على دولة بعينها، بل هو توجه عالمي. تسعى الدول إلى تحديث أنظمتها القضائية لتواكب متطلبات الاقتصاد الرقمي وتسهيل التجارة الدولية وحل النزاعات العابرة للحدود. إن وجود نظام قضائي فعال ومدعوم بالتكنولوجيا يعزز من ثقة المستثمرين ويحسن من بيئة الأعمال، وهو ما يمثل هدفاً استراتيجياً للعديد من الاقتصادات الناشئة والمتقدمة. إن تبادل الخبرات بين الدول، مثل بريطانيا والمملكة العربية السعودية، في مجال التكنولوجيا القانونية (LegalTech) يساهم في تسريع وتيرة التطوير وبناء أنظمة عدالة أكثر مرونة واستجابة للمستقبل.


