spot_img

ذات صلة

الذوق العام: كيف يجمع بين الواجب الديني والمسؤولية الوطنية

مقدمة: الذوق العام كمرآة للمجتمعات

يُعد الذوق العام أحد أهم المعايير التي تقاس بها درجة رقي الأمم وتحضرها، فهو ليس مجرد مجموعة من السلوكيات العابرة، بل هو انعكاس للقيم الأخلاقية والثقافية والدينية التي تشكل هوية المجتمع. إن احترام الذوق العام في الشوارع والأسواق وأماكن العمل والمنصات الرقمية هو بمثابة مطلب مزدوج، فهو من جهة واجب ديني تحث عليه الشرائع السماوية، ومن جهة أخرى ضرورة وطنية لبناء مجتمع متماسك ومزدهر يعكس صورة حضارية مشرقة عن أبنائه.

السياق الديني: الذوق كجزء من الإيمان

في المنظور الإسلامي، يرتبط الذوق العام ارتباطاً وثيقاً بجوهر الإيمان والأخلاق. لم تترك التعاليم الدينية هذا الجانب الهام دون توجيه، بل قدمت إطاراً متكاملاً للسلوك الحضاري. فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مليئة بالدعوات إلى التحلي بالأخلاق الحميدة التي هي أساس الذوق الرفيع. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، وهي دعوة صريحة إلى الكلمة الطيبة والتعامل اللين. كما أن مفاهيم مثل “إماطة الأذى عن الطريق صدقة” و”النظافة من الإيمان” ليست مجرد شعارات، بل هي تطبيقات عملية للذوق العام في أبسط صوره وأعمقها. لقد حث الدين على الجمال في كل شيء، من المظهر الشخصي إلى نظافة البيئة المحيطة، مما يجعل الالتزام بالذوق العام عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه.

الأهمية الوطنية: الذوق العام كأساس للمواطنة الصالحة

على الصعيد الوطني، يمثل الذوق العام حجر الزاوية في بناء دولة حديثة ومجتمع متناغم. فالمواطنة لا تقتصر على حمل هوية أو التمتع بالحقوق، بل هي في جوهرها ممارسة للمسؤولية تجاه المجتمع والوطن. عندما يلتزم الأفراد بقواعد الذوق العام، فإنهم يساهمون بشكل مباشر في تحقيق عدة أهداف وطنية:

  • تعزيز التماسك الاجتماعي: احترام الآخرين في الأماكن العامة، والالتزام بآداب الحديث والحوار، وتجنب السلوكيات المزعجة مثل الضوضاء العالية أو إلقاء النفايات، كلها عوامل تقلل من الاحتكاك بين أفراد المجتمع وتزيد من أواصر المحبة والألفة.
  • تحسين جودة الحياة: البيئة النظيفة والمنظمة، والشوارع الخالية من المخالفات، والأماكن العامة التي يسودها الهدوء والاحترام، ترفع من مستوى جودة الحياة لجميع المواطنين وتجعل المدن أكثر جاذبية للعيش.
  • دعم الاقتصاد والسياحة: الصورة الحضارية التي يعكسها المجتمع من خلال سلوك أفراده هي أفضل دعاية للوطن. فالسائح أو المستثمر الذي يزور بلداً ويجد فيه شعباً راقياً يحترم النظام والذوق العام، تتكون لديه صورة إيجابية تشجعه على العودة والاستثمار، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

التأثير المتوقع ومسؤوليتنا الجماعية

إن غياب الذوق العام يؤدي إلى انتشار ظواهر سلبية تؤثر على نسيج المجتمع، مثل الفوضى المرورية، والتلوث البيئي والبصري، وتراجع مستوى الحوار العام. لذا، فإن ترسيخ قيم الذوق العام ليس مسؤولية جهة بعينها، بل هو مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، التي تعد المحضن الأول لغرس هذه القيم، مروراً بالمؤسسات التعليمية التي يجب أن تدمجها في مناهجها، وصولاً إلى وسائل الإعلام التي يقع على عاتقها دور كبير في التوعية والتثقيف. إن الالتزام بالذوق العام هو استثمار في مستقبل الوطن، وهو الدليل الأصدق على انتمائنا لديننا وحبنا لوطننا.

spot_imgspot_img