كشفت تقارير إعلامية وتصريحات سياسية حديثة عن تحركات أمريكية مكثفة تهدف إلى صياغة المشهد الأمني في قطاع غزة لما يُعرف بـ "اليوم التالي" للحرب. وتتمحور هذه التحركات حول خطة واشنطن لنشر قوة دولية أو متعددة الجنسيات قوامها نحو 5 آلاف جندي، حيث تسعى الإدارة الأمريكية بشكل حثيث لإقناع باكستان بلعب دور محوري في هذه القوة، نظراً لثقلها العسكري ومكانتها في العالم الإسلامي.
تفاصيل الخطة الأمريكية والمفاوضات مع إسلام آباد
تتضمن الخطة المقترحة تشكيل قوة حفظ سلام أو قوة أمنية مؤقتة تتولى مسؤولية ضبط الأمن الداخلي في القطاع، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية، ومنع عودة الفصائل المسلحة للسيطرة على مفاصل الحكم. وتشير المعلومات إلى أن واشنطن ترى في باكستان شريكاً استراتيجياً محتملاً لهذه المهمة، حيث تجري مفاوضات لإقناع القيادة الباكستانية بالمشاركة بقوات عسكرية، وسط وعود بتقديم دعم لوجستي وسياسي.
سياق "اليوم التالي" والتحديات الأمنية
تأتي هذه التسريبات في وقت يواجه فيه المجتمع الدولي معضلة حقيقية تتعلق بإدارة القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى. فمع تدمير البنية التحتية المدنية والأمنية في غزة، تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها من حدوث فراغ أمني قد يؤدي إلى الفوضى أو عودة الصراع بشكل أكثر عنفاً. ولذلك، فإن البحث عن بدائل أمنية لا تتضمن احتلالاً إسرائيلياً دائماً ولا عودة لحكم حماس، بات الشغل الشاغل للدوائر الدبلوماسية في واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية.
الأهمية الاستراتيجية للدور الباكستاني
اختيار باكستان كمرشح للمشاركة في هذه القوة لم يأتِ من فراغ؛ فالجيش الباكستاني يمتلك خبرة طويلة وتاريخاً حافلاً في عمليات حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة في مناطق نزاع مختلفة حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، كون باكستان دولة إسلامية كبرى نووية، فإن مشاركتها قد تضفي نوعاً من الشرعية المقبولة نسبياً لدى الشارع العربي والإسلامي مقارنة بقوات غربية بحتة، وهو ما تسعى واشنطن لاستغلاله لتخفيف حدة التوتر.
التأثيرات المتوقعة محلياً وإقليمياً
إذا ما نجحت واشنطن في تمرير هذه الخطة، فإن ذلك سيشكل تحولاً جذرياً في الديناميكيات الإقليمية. محلياً، قد يساهم وجود قوة دولية في تسريع عملية إعادة الإعمار وعودة النازحين، لكنه قد يواجه بمقاومة داخلية إذا نُظر إليه كقوة احتلال بالوكالة. إقليمياً، قد يؤدي انخراط دول مثل باكستان إلى تدويل أزمة غزة بشكل أكبر، مما يضع مسؤولية استقرار المنطقة على عاتق تحالف دولي واسع بدلاً من حصرها في الصراع الثنائي، وهو ما قد يمهد الطريق لمسار سياسي أوسع يشمل حل الدولتين في المستقبل البعيد.


