في تصعيد جديد للموقف التركي تجاه التطورات في شمال سوريا، وجه وزير الخارجية التركي تحذيراً صريحاً ومباشراً لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مؤكداً أن صبر تركيا والأطراف المعنية بملف الأمن القومي على الحدود الجنوبية قد بدأ ينفد. ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة ومناوشات مستمرة، مما يعكس إصرار أنقرة على حماية حدودها وإبعاد ما تصفه بالتنظيمات الإرهابية عن شريطها الحدودي.
السياق الأمني والخلفية التاريخية للصراع
لا يمكن فصل هذا التحذير عن السياق التاريخي والعملياتي للصراع في الشمال السوري. فمنذ سنوات، تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب (YPG)، التي تشكل العمود الفقري لـ «قسد»، امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية لدى تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد نفذت تركيا سابقاً عدة عمليات عسكرية واسعة النطاق مثل «درع الفرات»، و«غصن الزيتون»، و«نبع السلام»، بهدف إنشاء منطقة آمنة خالية من المسلحين، إلا أن أنقرة ترى أن التهديدات لا تزال قائمة وأن الاتفاقيات الدولية لم تطبق بالكامل.
التفاهمات الدولية والوعود غير المنجزة
يشير حديث وزير الخارجية عن «نفاد الصبر» إلى خيبة أمل تركية من عدم التزام القوى الدولية الفاعلة، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، بتعهداتها السابقة. فبموجب اتفاقيات سوتشي وتفاهمات عام 2019، كان من المفترض إبعاد عناصر «قسد» لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود التركية، وهو ما تؤكد أنقرة أنه لم يتحقق على أرض الواقع. هذا الوضع يضع الدبلوماسية التركية أمام خيارات صعبة، ويدفعها للتلويح بالخيار العسكري كحل أخير لفرض الاستقرار.
الأهمية الاستراتيجية والتأثيرات المتوقعة
يحمل هذا التحذير أبعاداً استراتيجية تتجاوز مجرد التصريحات الإعلامية؛ فهو رسالة للمجتمع الدولي بأن تركيا لن تتهاون في أمنها القومي. محلياً، يهدف هذا الموقف لطمأنة الداخل التركي بشأن جدية الحكومة في مكافحة الإرهاب. إقليمياً، قد يؤدي أي تحرك عسكري جديد إلى تغيير خريطة السيطرة في الشمال السوري، مما يؤثر على مسار الحل السياسي للأزمة السورية برمتها. كما يرتبط هذا الملف بمسألة عودة اللاجئين السوريين، حيث تسعى تركيا لتأمين مناطق تسمح بالعودة الطوعية والآمنة لملايين اللاجئين المقيمين على أراضيها، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون استقرار أمني كامل في المناطق الحدودية.
