شنت موسكو هجوماً دبلوماسياً لاذعاً على قادة الاتحاد الأوروبي في أعقاب اختتام قمة بروكسل الأخيرة، حيث وجهت الخارجية الروسية والكرملين انتقادات حادة للقرارات والبيانات الصادرة عن القمة، واصفة إياها بأنها تعكس حالة من "الانفصال عن الواقع" وتؤكد استمرار النهج التصعيدي ضد روسيا.
تفاصيل الموقف الروسي
جاءت ردود الفعل الروسية لتعبر عن استياء عميق مما وصفته موسكو بـ "عسكرة الاتحاد الأوروبي". وأشارت التصريحات الرسمية إلى أن مخرجات القمة لم تكن تهدف إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الراهنة في القارة، بل ركزت بشكل أساسي على تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا وتشديد العقوبات، وهو ما تعتبره روسيا انخراطاً مباشراً في الصراع وخدمة للمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية على حساب المصالح الأوروبية الوطنية.
السياق العام والخلفية التاريخية
لفهم حدة هذا الهجوم، يجب النظر إلى السياق التاريخي المتدهور للعلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، تحولت العلاقة من شراكة استراتيجية في مجالات الطاقة والتجارة إلى قطيعة شبه تامة وعداء معلن. قمم بروكسل المتتالية تحولت إلى منصات لإقرار حزم العقوبات الاقتصادية التي طالت مختلف القطاعات الروسية، بالإضافة إلى تنسيق الدعم العسكري لكييف، وهو ما تعتبره موسكو تهديداً وجودياً لأمنها القومي.
أهمية الحدث ودلالاته السياسية
يكتسب هذا التراشق اللفظي أهمية خاصة في التوقيت الحالي، حيث يعكس عمق الهوة بين الطرفين وصعوبة العودة إلى طاولة الحوار في المدى المنظور. يرى المحللون أن الهجوم الروسي يركز على نقطتين جوهريتين:
- فقدان السيادة الأوروبية: تروج السردية الروسية لفكرة أن القادة الأوروبيين الحاليين يضحون برفاهية شعوبهم واقتصاد دولهم (خاصة في ملف الطاقة) إرضاءً للتحالف عبر الأطلسي.
- التحول نحو اقتصاد الحرب: تنتقد موسكو تحويل الموارد المالية الأوروبية لدعم التصنيع العسكري بدلاً من التنمية، محذرة من أن هذا المسار يطيل أمد الصراع ويزيد من مخاطر الانزلاق نحو مواجهة مباشرة.
التأثير المتوقع إقليمياً ودولياً
من المتوقع أن يؤدي هذا التصعيد الكلامي إلى مزيد من الجمود الدبلوماسي. على الصعيد الأوروبي، قد تستخدم روسيا هذه السردية لمحاولة التأثير على الرأي العام الأوروبي، خاصة مع صعود تيارات اليمين المشككة في جدوى استمرار الدعم اللامحدود لأوكرانيا. أما دولياً، فإن هذا الانقسام يعزز من استقطاب العالم نحو معسكرين، مما يدفع روسيا لتعزيز تحالفاتها مع دول الجنوب العالمي ومجموعة "بريكس" كبديل عن الشراكة الأوروبية المفقودة.
في الختام، لا يعد هذا الهجوم الروسي حدثاً معزولاً، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من تدهور العلاقات، مما ينذر بأن القارة الأوروبية ستظل ساحة للتجاذبات السياسية والأمنية لفترة طويلة قادمة.


