في ظل استمرار الحرب الدائرة في قطاع غزة، تتبلور ملامح خطة أمريكية تهدف إلى وضع تصور لمستقبل القطاع في مرحلة "اليوم التالي" للحرب. وتتمحور هذه الخطة حول جهود دولية لإعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية، إلا أن واشنطن تضع شرطاً جوهرياً وأساسياً للمضي قدماً في هذا المسار، وهو نزع سلاح حركة حماس وضمان عدم تشكيلها تهديداً أمنياً مستقبلياً لإسرائيل، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول إمكانية تطبيق ذلك على أرض الواقع.
السياق العام وحجم الدمار في غزة
تأتي هذه التحركات الدبلوماسية في وقت يعاني فيه قطاع غزة من دمار غير مسبوق في البنية التحتية، حيث تشير التقديرات الأممية والدولية إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات وتستغرق سنوات طويلة. لقد أدت العمليات العسكرية المستمرة منذ السابع من أكتوبر إلى تدمير مساحات واسعة من الأحياء السكنية، والمرافق الصحية، وشبكات المياه والكهرباء، مما جعل القطاع منطقة منكوبة بامتياز تحتاج إلى تدخل دولي عاجل لإنقاذ الوضع الإنساني.
الرؤية الأمريكية وشروط التمويل
تستند الرؤية الأمريكية إلى مبدأ أن الدول المانحة، وخاصة الدول العربية والخليجية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، لن تكون مستعدة لضخ أموال طائلة في قطاع غزة دون ضمانات سياسية وأمنية واضحة. الشرط الأمريكي بنزع سلاح حماس يأتي استجابة للمخاوف الأمنية الإسرائيلية، ولكنه يهدف أيضاً إلى تمهيد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية (أو سلطة فلسطينية متجددة) لتولي زمام الحكم في القطاع، لتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت مظلة سياسية واحدة.
التحديات والعقبات المتوقعة
يواجه هذا المقترح عقبات كبيرة، أبرزها الرفض القاطع من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية لفكرة نزع السلاح، معتبرة إياه حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس في ظل الاحتلال. من جهة أخرى، تصر الحكومة الإسرائيلية الحالية على الاحتفاظ بسيطرة أمنية مفتوحة على القطاع، وهو ما يتعارض مع الرغبة الأمريكية والعربية في إيجاد أفق سياسي يفضي إلى حل الدولتين. إن التوفيق بين شرط نزع السلاح وبين الواقع الميداني المعقد يعتبر التحدي الأكبر أمام الدبلوماسية الأمريكية.
الأبعاد الإقليمية والدولية
لا يقتصر تأثير هذه الخطة على الداخل الفلسطيني والإسرائيلي فحسب، بل يمتد ليشمل الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطة إلى دمج إسرائيل في المنطقة عبر اتفاقيات تطبيع محتملة مع دول عربية كبرى، بشرط إنهاء الحرب ووضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية. وبالتالي، فإن نجاح أو فشل خطة إعادة الإعمار ونزع السلاح سيرسم ملامح الخارطة الجيوسياسية للمنطقة لسنوات قادمة، حيث تضغط واشنطن لمنع توسع الصراع وتحويل المأساة الحالية إلى فرصة لترتيبات أمنية وسياسية مستدامة.


