في خطوة تعد إنجازاً كبيراً على صعيد العمل الإنساني وتعزيز الاستقرار في السودان، تم الإعلان عن نجاح الجهود المختصة في نزع ما يقارب 87% من الألغام والمخلفات الحربية في مدينة بابنوسة التابعة لولاية غرب كردفان. يمثل هذا الإعلان نقطة تحول جوهرية في مسار استعادة الحياة الطبيعية في واحدة من أكثر المناطق حيوية واستراتيجية في المنطقة، والتي عانت لفترات طويلة من تبعات النزاعات المسلحة.
الأهمية الاستراتيجية لمدينة بابنوسة
تكتسب مدينة بابنوسة أهمية خاصة نظراً لموقعها الجغرافي المتميز؛ فهي تعتبر ملتقى طرق حيوياً ومركزاً رئيسياً للسكك الحديدية التي تربط بين أجزاء السودان المختلفة، وخاصة بين الغرب والوسط والجنوب. إن تطهير هذه المنطقة من الألغام لا يعني فقط تأمين الأرض، بل يعني إعادة شريان الحياة لحركة النقل والتجارة، مما يسهل حركة البضائع والركاب ويعيد للمدينة دورها المحوري كحلقة وصل اقتصادية واجتماعية.
خلفية تاريخية: إرث النزاعات وتحديات الألغام
يواجه السودان منذ عقود تحديات جمة تتعلق بانتشار الألغام الأرضية ومخلفات الحروب غير المنفجرة (UXO)، وذلك نتيجة للحروب الأهلية والنزاعات التي شهدتها مناطق متعددة، بما في ذلك ولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق. لطالما شكلت هذه الأجسام المتفجرة عائقاً رئيسياً أمام التنمية، وخطراً دائماً يهدد حياة المدنيين، وخاصة الأطفال والرعاة والمزارعين. وتأتي عملية التطهير في بابنوسة كجزء من الجهود الوطنية والدولية المستمرة للوفاء بالتزامات السودان تجاه اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام، والسعي نحو سودان خالٍ من الألغام.
الأثر الإنساني والاقتصادي المتوقع
إن الوصول إلى نسبة تطهير تبلغ 87% يحمل في طياته آثاراً إيجابية واسعة النطاق على المستوى المحلي والإقليمي:
- تعزيز الأمن الغذائي: سيتمكن المزارعون من العودة إلى أراضيهم التي هجروها خوفاً من الألغام، مما يساهم في زيادة الرقعة الزراعية والإنتاج المحلي.
- عودة النازحين: يعتبر الأمان الشرط الأول لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، مما يساهم في الاستقرار الاجتماعي.
- حماية الأرواح: التقليل الجذري من حوادث الانفجارات التي غالباً ما تسبب إعاقات دائمة أو وفيات بين السكان المحليين.
- دعم مشاريع التنمية: خلو الأرض من الألغام يفتح الباب أمام الحكومة والمنظمات الدولية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية والخدمات دون مخاوف أمنية.
نحو تطهير شامل ومستقبل آمن
رغم هذا الإنجاز الكبير، تظل النسبة المتبقية (13%) تحدياً يتطلب تضافر الجهود واستمرار الدعم اللوجستي والمادي لفرق إزالة الألغام. إن العمل في هذا المجال محفوف بالمخاطر ويتطلب دقة عالية وتقنيات متطورة، فضلاً عن برامج التوعية بمخاطر الألغام للمجتمعات المحلية لضمان سلامتهم حتى يتم الإعلان عن المنطقة خالية تماماً من أي تهديد. يبعث هذا الخبر الأمل في نفوس السودانيين بأن طي صفحة مخلفات الحرب بات ممكناً، وأن الطريق نحو التنمية المستدامة يبدأ بتمهيد الأرض وتأمين الإنسان.


