في ظل استمرار حالة الشد والجذب التي تسيطر على المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، عادت التكهنات لتطفو على السطح مجدداً بشأن احتمالية حدوث مواجهة عسكرية مباشرة أو محدودة، حيث أشارت تقارير وتصريحات ضمنية إلى أن طهران لا تستبعد إمكانية شن الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً جديداً ضد أهداف إيرانية. يأتي هذا الموقف في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توتراً متصاعداً، تغذيه الخلافات العميقة حول الملف النووي والنفوذ الإقليمي.
سياق تاريخي من التوتر المستمر
لا يمكن قراءة المخاوف الإيرانية الحالية بمعزل عن التاريخ الطويل من العداء وعدم الثقة بين طهران وواشنطن، والذي يمتد لأكثر من أربعة عقود منذ عام 1979. وقد تفاقم هذا التوتر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في عام 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية صارمة تحت حملة "الضغوط القصوى". هذه الخطوات دفعت إيران إلى التحلل التدريجي من التزاماتها النووية، مما زاد من قلق الغرب وإسرائيل بشأن اقتراب طهران من العتبة النووية العسكرية، وهو ما تنفيه إيران باستمرار مؤكدة على سلمية برنامجها.
الأهمية الاستراتيجية وتداعيات الصراع
إن أي تحرك عسكري أمريكي محتمل، سواء كان ضربات جوية محدودة تستهدف منشآت نووية أو بنى تحتية عسكرية، يحمل في طياته مخاطر كبيرة لا تقتصر على الطرفين المتحاربين فحسب، بل تمتد لتشمل الإقليم بأسره. تدرك طهران وواشنطن جيداً أن منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز تمثل شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، حيث يمر عبرها جزء كبير من إمدادات النفط العالمية. أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى إغلاق المضيق أو استهداف ناقلات النفط، مما سيتسبب في قفزة هائلة في أسعار الطاقة عالمياً، وهو سيناريو تحاول القوى الدولية تجنبه، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية الحالية.
السيناريوهات المتوقعة والردع المتبادل
يرى محللون استراتيجيون أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى خيار الضربات الجراحية الدقيقة لتعطيل قدرات إيران الصاروخية أو النووية دون الانجرار إلى حرب شاملة، خاصة مع وجود إدارة أمريكية تميل ظاهرياً إلى الدبلوماسية ولكنها تبقي الخيار العسكري مطروحاً كحل أخير. في المقابل، تعتمد إيران في استراتيجيتها الدفاعية على مفهوم "الحرب غير المتماثلة"، مستخدمة ترسانتها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى نفوذها عبر حلفائها في المنطقة لتهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، مما يخلق توازناً دقيقاً للرعب يمنع حتى الآن اندلاع حرب مفتوحة.
ختاماً، تبقى المنطقة رهينة للتطورات السياسية والميدانية، وبينما لا تستبعد إيران الأسوأ وتجهز قواتها لسيناريوهات المواجهة، تظل القنوات الدبلوماسية الخلفية والوساطات الإقليمية والدولية هي الأمل الوحيد لنزع فتيل الأزمة ومنع انزلاق الأمور إلى نقطة اللاعودة.


