تتجه الأنظار في الأسواق المالية العالمية نحو المملكة المتحدة، حيث تشير التوقعات الاقتصادية إلى احتمالية تراجع قيمة الجنيه الإسترليني أمام العملات الرئيسية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي واليورو، وذلك مع اقتراب موعد الإعلان عن الميزانية البريطانية الجديدة. وتأتي هذه التوقعات في ظل حالة من الحذر والترقب تسيطر على المستثمرين، خشية أن تتضمن الميزانية قرارات مالية قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي أو تزيد من أعباء الدين العام.
حالة عدم اليقين وتأثيرها على العملة
يعيش الجنيه الإسترليني حالة من التذبذب نتيجة للمخاوف المتعلقة بالسياسات المالية التي ستنتهجها الحكومة البريطانية. يرى المحللون أن أي إشارات حول زيادة الضرائب أو تقليص الإنفاق العام بشكل حاد قد تؤدي إلى انكماش في ثقة المستهلكين والشركات، مما يضغط بدوره على العملة الوطنية. وتعتبر فترة ما قبل الميزانية عادة فترة حساسة للأسواق، حيث يقوم المتداولون بتسعير المخاطر المحتملة، مما يدفعهم غالباً للتحوط عبر بيع الإسترليني لصالح عملات الملاذ الآمن.
السياق الاقتصادي والخلفية التاريخية
لا يمكن فصل هذه التوقعات عن السياق الاقتصادي العام الذي مرت به بريطانيا في السنوات الأخيرة. فمنذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، واجه الاقتصاد البريطاني تحديات هيكلية أثرت على جاذبية الإسترليني. علاوة على ذلك، لا تزال ذاكرة الأسواق تحتفظ بتداعيات "الميزانية المصغرة" لعام 2022، التي أدت في حينها إلى انهيار تاريخي للجنيه الإسترليني واضطراب في سوق السندات. هذا التاريخ القريب يجعل المستثمرين أكثر حساسية تجاه أي خطط مالية غير مدروسة بدقة أو تلك التي تعتمد على الاقتراض المفرط دون غطاء تمويلي واضح.
التأثيرات المتوقعة محلياً ودولياً
من الناحية الاقتصادية، يحمل تراجع الجنيه الإسترليني تأثيرات متباينة. فعلى الصعيد المحلي، يؤدي انخفاض العملة إلى ارتفاع تكلفة الواردات، خاصة الطاقة والغذاء، مما قد يغذي معدلات التضخم التي يحاول بنك إنجلترا كبح جماحها منذ فترة طويلة. هذا الوضع قد يضع البنك المركزي في مأزق بين رفع أسعار الفائدة لدعم العملة ومحاربة التضخم، وبين خفضها أو تثبيتها لتجنب ركود اقتصادي.
أما على الصعيد الدولي، فإن ضعف الإسترليني قد يجعل الصادرات البريطانية أكثر تنافسية، لكنه في المقابل يقلل من القوة الشرائية للمواطنين البريطانيين في الخارج ويزيد من تكلفة الديون المقومة بالعملات الأجنبية. وتترقب المؤسسات المالية العالمية تفاصيل الميزانية لتقييم مدى التزام الحكومة بالانضباط المالي، وهو العامل الحاسم الذي سيحدد مسار الجنيه الإسترليني في المدى المتوسط والبعيد.


