شنت قوات الشرطة في العاصمة الأذربيجانية باكو حملة مداهمة وتفتيش استهدفت منزل أحد القياديين البارزين في صفوف المعارضة، في خطوة اعتبرها مراقبون جزءاً من سلسلة إجراءات تهدف إلى التضييق على الأصوات المنتقدة للسلطة. وتأتي هذه الواقعة لتضاف إلى سجل متزايد من التوترات بين الحكومة والمعارضة السياسية في البلاد، حيث أفادت مصادر مقربة من المعارضة بأن القوات الأمنية قامت بمصادرة أجهزة إلكترونية ووثائق شخصية خلال عملية التفتيش، وسط مخاوف من تلفيق تهم جنائية لتبرير الاعتقال السياسي.
سياق القمع السياسي والخلفية التاريخية
لا يمكن فصل هذا الحدث عن السياق العام للمشهد السياسي في أذربيجان، التي يحكمها الرئيس إلهام علييف منذ عام 2003، خلفاً لوالده حيدر علييف. وعلى مدار العقدين الماضيين، واجهت السلطات في باكو انتقادات دولية متكررة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير. وتشير تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، إلى نمط ممنهج من استهداف الصحفيين المستقلين، والنشطاء الحقوقيين، وأعضاء أحزاب المعارضة مثل "حزب الجبهة الشعبية"، عبر استخدام النظام القضائي والشرطي لإسكاتهم.
وقد تعززت قبضة السلطة الحاكمة بشكل ملحوظ بعد الانتصار العسكري الذي حققته أذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ، مما منح الرئيس علييف رصيداً شعبياً كبيراً، إلا أن هذا الانتصار الخارجي لم ينعكس انفتاحاً في الداخل، بل تزامنت الفترة الأخيرة مع تشديد القوانين المتعلقة بالإعلام والأحزاب السياسية، مما ضيق الخناق أكثر على أي حراك مدني معارض.
الأهمية والتأثيرات المتوقعة محلياً ودولياً
يحمل هذا التصعيد دلالات هامة على الصعيدين المحلي والدولي. محلياً، يبعث استمرار المداهمات والاعتقالات برسالة ترهيب واضحة للمجتمع المدني والمعارضة المتبقية في الداخل، مفادها أن هامش المناورة السياسية قد تقلص إلى أدنى مستوياته، مما قد يؤدي إلى عزوف الشباب عن المشاركة السياسية أو دفعهم نحو الهجرة. كما أن استهداف القيادات يهدف إلى شل قدرة المعارضة على التنظيم والحشد لأي استحقاقات انتخابية قادمة.
أما على الصعيد الدولي، فإن مثل هذه الممارسات تضع أذربيجان في مواجهة دبلوماسية مع شركائها الغربيين، لا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يطالبان باستمرار باحترام الحريات الأساسية كشرط لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي. وقد يؤدي استمرار هذا النهج إلى توتر العلاقات مع المؤسسات الأوروبية، مثل مجلس أوروبا، الذي طالما انتقد تراجع الديمقراطية في البلاد. ومع ذلك، يرى محللون أن باكو تعتمد على أهميتها الجيوسياسية ومواردها من الطاقة كدرع واقٍ ضد أي ضغوط دولية حقيقية، مما يجعل تأثير الإدانات الخارجية محدوداً في تغيير السلوك الداخلي للسلطة.


