spot_img

ذات صلة

ألمانيا تخفض طلبات اللجوء 60%: الأسباب والنتائج

سجلت ألمانيا انخفاضاً ملحوظاً في عدد طلبات اللجوء الجديدة، حيث تشير البيانات الأخيرة إلى تراجع بنسبة تجاوزت 60% مقارنة بفترات الذروة السابقة. هذا التحول الجذري في أرقام الهجرة لم يأتِ بمحض الصدفة، بل هو نتاج حزمة من الإجراءات الصارمة والسياسات الجديدة التي تبنتها الحكومة الفيدرالية في برلين استجابة للضغوط الداخلية والأوروبية.

إجراءات الرقابة على الحدود

السبب الرئيسي والمباشر لهذا الانخفاض يعود إلى إعادة فرض ضوابط صارمة على الحدود البرية. قامت وزارة الداخلية الألمانية بتعزيز نقاط التفتيش الثابتة والمتحركة، خاصة على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا، وهي الممرات الرئيسية التي يسلكها المهربون. هذه الإجراءات أدت إلى منع دخول آلاف المهاجرين غير الشرعيين وإعادتهم من حيث أتوا قبل أن يتمكنوا من تقديم طلبات اللجوء داخل الأراضي الألمانية.

تغيير سياسات الرعاية والمساعدات

علاوة على الإجراءات الأمنية، اتخذت ألمانيا خطوات لتقليل ما يُعرف بـ “عوامل الجذب”. من أبرز هذه الخطوات التحول من تقديم المساعدات النقدية المباشرة لطالبي اللجوء إلى نظام “بطاقات الدفع” (Payment Cards). يهدف هذا النظام إلى منع تحويل الأموال إلى الخارج وتقليل الحافز الاقتصادي للهجرة غير الشرعية، مما ساهم في إرسال رسالة واضحة بأن نظام الرعاية الاجتماعية الألماني لم يعد متاحاً بنفس السهولة السابقة.

السياق التاريخي والسياسي

لفهم أهمية هذا الرقم، يجب العودة إلى أزمة اللاجئين عام 2015، حين استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ تحت شعار “نحن نستطيع”. ومع مرور السنوات، تزايدت الأعباء على البلديات والمدن الألمانية التي عانت من نقص في السكن والموارد التعليمية. هذا الضغط المتراكم أدى إلى تحول في المزاج العام والسياسي، مما دفع الائتلاف الحاكم إلى تبني سياسات أكثر تشدداً لامتصاص غضب الشارع وقطع الطريق على صعود تيارات اليمين المتطرف التي تستغل ملف الهجرة.

التأثير الأوروبي والدولي

لا يقتصر تأثير هذه السياسات على الداخل الألماني فحسب، بل يمتد ليشمل الاتحاد الأوروبي بأكمله. يُنظر إلى التحرك الألماني كجزء من توجه أوروبي أوسع نحو تحصين “القلعة الأوروبية”. تضغط برلين حالياً لتسريع إجراءات اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وتفعيل اتفاقيات ترحيل المرفوضين إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان ثالثة آمنة. هذا الانخفاض الكبير في الأعداد قد يشجع دولاً أوروبية أخرى على حذو حذو ألمانيا، مما يعيد تشكيل خريطة الهجرة واللجوء في القارة العجوز لسنوات قادمة.

spot_imgspot_img