في أحدث تصريحاته الدبلوماسية التي تعكس ثبات الموقف الروسي، علق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على ما تم تداوله مؤخراً بشأن «المقترح المعدل» لتسوية النزاع في أوكرانيا. وأكد لافروف أن أي مبادرات أو مقترحات يتم طرحها بصيغ معدلة لن يكتب لها النجاح ما لم تأخذ في الاعتبار «الحقائق الجديدة على الأرض» والمصالح الأمنية الجوهرية لروسيا الاتحادية، مشيراً إلى أن تغيير الصياغات اللغوية لا يعني تغييراً في الجوهر إذا كانت الأهداف تظل كما هي.
وأوضح عميد الدبلوماسية الروسية أن موسكو قامت بدراسة كافة الطروحات المقدمة، إلا أنها ترى في الكثير منها محاولات لإعادة تدوير «صيغة زيلينسكي» للسلام، والتي تعتبرها موسكو بمثابة إنذار نهائي غير قابل للتطبيق وليست أساساً للتفاوض. وشدد لافروف على أن «المقترح المعدل» يجب أن يتجاوز الشكليات ليعالج جذور الصراع، والمتمثلة في توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، والتهديدات المباشرة للأمن القومي الروسي، فضلاً عن ضمان حقوق الناطقين بالروسية.
سياق الصراع والخلفية التاريخية للمفاوضات
لفهم أبعاد هذا التصريح، يجب العودة إلى جذور الأزمة التي تفاقمت بشكل كبير منذ فبراير 2022. لقد مرت العملية التفاوضية بين موسكو وكييف بعدة منعطفات، أبرزها محادثات إسطنبول في الأسابيع الأولى للصراع، والتي كانت قريبة من التوصل لاتفاق قبل أن تنهار المحادثات وتتوقف تماماً. منذ ذلك الحين، تصر كييف وحلفاؤها الغربيون على انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991 كشرط مسبق، وهو ما ترفضه موسكو جملة وتفصيلاً، معتبرة أن المناطق الأربع (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريژيا) بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية بموجب استفتاءات محلية.
الأبعاد الجيوسياسية وتأثير الحدث
تكتسب تصريحات لافروف أهمية خاصة في هذا التوقيت، حيث تأتي وسط حراك دولي مكثف ومحاولات من أطراف دولية (مثل الصين والبرازيل وتركيا) لإيجاد صيغة توافقية تنهي الحرب التي ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي. إن رفض موسكو للمقترحات التي لا تلبي شروطها يعني استمرار العمليات العسكرية واستنزاف الموارد على كلا الجانبين، مما يطيل أمد الأزمة التي تسببت في اضطرابات بأسواق الطاقة والغذاء عالمياً.
ويرى المراقبون أن تمسك روسيا بموقفها تجاه «المقترح المعدل» يبعث برسالة واضحة إلى الغرب بأن الضغوط الاقتصادية والعسكرية لن تجبر الكرملين على تقديم تنازلات تمس سيادته أو أمنه الاستراتيجي. وبالتالي، فإن الأفق السياسي للحل يظل مرهوناً بمدى استعداد الأطراف الدولية للاعتراف بالهواجس الأمنية الروسية كجزء من أي هندسة أمنية مستقبلية لأوروبا، وليس مجرد تسوية مؤقتة للنزاع الحدودي.


