يُشكل إقرار نظام الرياضة الجديد علامة فارقة ونقطة تحول جوهرية في مسيرة القطاع الرياضي، حيث يؤسس لمرحلة جديدة قوامها الاحترافية العالية والعمل المؤسسي المنظم. لا يكتفي هذا النظام بمعالجة الثغرات التشريعية التي شابت المراحل السابقة فحسب، بل يضع بنية تحتية قانونية صلبة تمهد الطريق لتحويل الرياضة من مجرد نشاط ترفيهي إلى صناعة متكاملة تساهم بفاعلية في الاقتصاد الوطني.
السياق التاريخي ورؤية 2030
لفهم عمق هذا التغيير، يجب النظر إلى السياق العام الذي ولِد فيه هذا النظام. يأتي هذا الحراك التشريعي كترجمة عملية لمستهدفات رؤية المملكة 2030، وتحديداً برنامج “جودة الحياة”، الذي وضع الرياضة كأحد ركائزه الأساسية. لقد شهد القطاع تحولات هيكلية متسارعة، بدأت بتحويل “الرئاسة العامة لرعاية الشباب” إلى “هيئة عامة” ثم إلى “وزارة للرياضة”، مما يعكس الاهتمام الحكومي المتزايد. هذا التدرج الإداري كان بحاجة ماسة إلى غطاء تشريعي حديث يواكب الطموحات العالمية، وهو ما جاء النظام الجديد ليحققه.
ركائز النظام: الشركات والاستثمار الرياضي
يعد السماح بتأسيس شركات رياضية أحد أهم ملامح النظام الجديد، وهو ما يمثل حجر الزاوية في مشروع خصخصة الأندية الرياضية. هذا البند ينقل الأندية من مفهوم المؤسسات المعتمدة كلياً على الدعم الحكومي والإعانات، إلى كيانات تجارية ربحية ومستدامة. يفتح هذا التحول الباب واسعاً أمام القطاع الخاص ورؤوس الأموال للاستثمار في الرياضة كبيئة خصبة وواعدة، مما سينعكس إيجاباً على جودة المنافسات، وتطوير المنشآت، ورفع القيمة السوقية للدوري والبطولات المحلية.
الحوكمة وفض المنازعات
في إطار تعزيز الشفافية والعدالة، أقر النظام إمكانية إنشاء مراكز تحكيم رياضية متخصصة. تأتي هذه الخطوة لضمان وجود بيئة قضائية مستقلة وسريعة، حيث تتسم المنازعات الرياضية بطبيعة خاصة تتطلب سرعة في البت وخبرة فنية دقيقة قد لا تتوفر في القضاء العام. وجود هذه المراكز يعزز ثقة اللاعبين والمدربين والمستثمرين الأجانب في النظام القانوني الرياضي، مما يضمن حقوق كافة الأطراف.
السجل الوطني: قوة البيانات
لم يغفل النظام الجانب التخطيطي، حيث نص على إنشاء “سجل وطني” شامل للرياضيين والهيئات. هذا السجل يتجاوز كونه قاعدة بيانات تقليدية؛ فهو أداة استراتيجية تتيح لصناع القرار رصد المواهب بدقة، وتتبع معدلات النمو في ممارسة الرياضة المجتمعية، وتوجيه الموارد المالية والبشرية بناءً على أرقام وحقائق موثقة، مما يرفع من كفاءة الإنفاق الحكومي في القطاع.
التأثير المتوقع: محلياً ودولياً
على الصعيد المحلي، سيساهم النظام في خلق آلاف الوظائف الجديدة في تخصصات دقيقة مثل القانون الرياضي، الإدارة الرياضية، والتسويق والاستثمار. أما على الصعيد الدولي، فإن وجود بيئة تشريعية واضحة ومستقرة يعزز من مكانة المملكة كوجهة عالمية لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى. فالمستثمرون والشركاء الدوليون يبحثون دائماً عن الأمان القانوني قبل ضخ استثماراتهم، وهو ما يوفره هذا النظام، مما يدعم ملفات استضافة البطولات القارية والعالمية الكبرى.


