كشفت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية عن أرقام مبشرة تعكس النمو المتسارع في قطاع التعدين، حيث بلغ إجمالي مواقع التمعدن المكتشفة في المملكة 5,651 موقعاً خلال عام 2024. ويأتي هذا الإعلان ليؤكد نجاح الجهود الحكومية الحثيثة في استكشاف الثروات الطبيعية الكامنة في باطن الأرض، وتفعيل دور قطاع التعدين كرافد أساسي للاقتصاد الوطني.
السياق العام: التعدين في قلب رؤية 2030
لا يمكن قراءة هذا الرقم الضخم بمعزل عن السياق الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه المملكة في ظل «رؤية 2030». فقد وضعت القيادة السعودية قطاع التعدين على رأس أولوياتها، مستهدفة تحويله إلى الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية إلى جانب النفط والغاز والبتروكيماويات. وتعمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية، بالتنسيق مع هيئة المساحة الجيولوجية، على تنفيذ مبادرات ضخمة للمسح الجيولوجي العام، والتي تعد الأكبر من نوعها في تاريخ المنطقة، بهدف بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للموارد المعدنية.
الدرع العربي: خزان الثروات المعدنية
تتركز معظم هذه المواقع المكتشفة في منطقة «الدرع العربي»، وهي منطقة جيولوجية تمتد على مساحة شاسعة في غرب المملكة، وتشتهر باحتوائها على صخور نارية ومتحولة غنية بالمعادن النفيسة ومعادن الأساس. وتشير الدراسات الجيولوجية الموثقة إلى أن هذه المنطقة تحتوي على مخزونات هائلة من الذهب، والفضة، والنحاس، والزنك، بالإضافة إلى عناصر أرضية نادرة أصبحت اليوم عصب الصناعات التقنية الحديثة والسيارات الكهربائية.
الأهمية الاقتصادية والأثر المتوقع
يحمل الإعلان عن تجاوز مواقع التمعدن حاجز الـ 5,600 موقع دلالات اقتصادية عميقة محلياً ودولياً:
- على الصعيد المحلي: يعزز هذا الاكتشاف من فرص جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، مما يساهم في خلق آلاف الوظائف النوعية للمواطنين في مجالات الجيولوجيا والهندسة والتعدين، بالإضافة إلى تنمية المناطق النائية التي تقع فيها هذه المناجم.
- التنويع الاقتصادي: تدعم هذه الأرقام تقديرات المملكة لقيمة ثرواتها المعدنية غير المستغلة، والتي قُدرت سابقاً بنحو 5 تريليونات ريال سعودي (حوالي 1.3 تريليون دولار). استغلال هذه المواقع سيرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بشكل ملموس.
- على الصعيد الدولي: يضع هذا التوسع المملكة على خارطة التعدين العالمية كمورد موثوق للمعادن الحيوية التي يحتاجها العالم للتحول الطاقي، مما يعزز من نفوذها الاقتصادي الجيوسياسي.
مستقبل واعد للاستكشاف
إن تسجيل 5,651 موقعاً للتمعدن ليس سوى البداية، حيث تستمر عمليات المسح الجيولوجي باستخدام أحدث التقنيات الجيوفيزيائية والجيوكيميائية. ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تحول العديد من هذه المواقع من مجرد نقاط تمعدن إلى مناجم منتجة، تدعم سلاسل الإمداد الصناعية وتوطن صناعات تحويلية متقدمة داخل المملكة، مما يرسخ مكانة السعودية كمركز لوجستي وصناعي عالمي.


