spot_img

ذات صلة

حرب أوكرانيا: قضايا عالقة وخيارات صعبة ومصير مجهول

مع استمرار العمليات العسكرية، تجد حرب أوكرانيا نفسها اليوم أمام مفترق طرق حاسم، محاطة بجملة من القضايا العالقة والخيارات المرة التي لا تقتصر تداعياتها على طرفي النزاع فحسب، بل تمتد لتشمل الخارطة الجيوسياسية العالمية بأسره. لم يعد المشهد مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل تحول إلى صراع استنزاف طويل الأمد يضع العالم أمام تحديات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة.

السياق التاريخي: من الشرارة الأولى إلى حرب الاستنزاف

لفهم عمق الأزمة الحالية، لا بد من العودة إلى الجذور. بدأت الأزمة تأخذ منحىً عسكرياً مباشراً وواسع النطاق في الرابع والعشرين من فبراير 2022، عندما أطلقت روسيا ما أسمته “عملية عسكرية خاصة”. إلا أن جذور التوتر تمتد لسنوات سابقة، وتحديداً منذ أحداث عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم، والنزاع في منطقة دونباس. ما بدأ كتحركات عسكرية سريعة، تحول بمرور الوقت وبفضل الدعم الغربي لكييف وصمود الجيش الأوكراني، إلى حرب خنادق ومواجهات مدفعية ثقيلة، مما جعل الحسم العسكري السريع أمراً بعيد المنال لكلا الطرفين.

القضايا العالقة: عقدة الحل الدبلوماسي

تواجه الأزمة اليوم قضايا عالقة تجعل من طاولة المفاوضات خياراً صعباً. أبرز هذه القضايا يتمثل في التناقض الجذري بين شروط الطرفين؛ حيث تصر أوكرانيا على استعادة كامل أراضيها بما فيها القرم كشرط للسلام، بينما تعتبر روسيا المناطق التي ضمتها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها السيادية. يضاف إلى ذلك ملف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تعتبره موسكو خطاً أحمر يهدد أمنها القومي، بينما تراه كييف ضمانة وجودية لمستقبلها.

تداعيات عالمية: الاقتصاد والأمن الغذائي

تجاوزت تأثيرات حرب أوكرانيا الحدود الجغرافية لأوروبا الشرقية لتضرب عصب الاقتصاد العالمي. فقد أدت العقوبات الغربية غير المسبوقة على موسكو، والردود الروسية المقابلة، إلى أزمة طاقة خانقة عصفت بالقارة الأوروبية، وتسببت في موجات تضخم عالمية طالت أسعار السلع الأساسية. كما برزت قضية الأمن الغذائي كواحدة من أخطر التداعيات، نظراً لكون روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، مما هدد سلاسل الإمداد وأثار مخاوف من مجاعات في الدول النامية.

الخيارات المرة وسيناريوهات المستقبل

أمام هذا الواقع المعقد، تبدو الخيارات المتاحة “مُرّة” لجميع الأطراف. بالنسبة للغرب، يكمن التحدي في الموازنة بين دعم أوكرانيا لتجنب انتصار روسي قد يغير قواعد النظام الدولي، وبين تجنب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة قد تشعل حرباً عالمية ثالثة. أما بالنسبة لكييف وموسكو، فالخيار ينحصر بين استمرار نزيف الموارد والأرواح في حرب طويلة الأمد، أو تقديم تنازلات مؤلمة قد تُعتبر هزيمة سياسية في الداخل. يبقى المشهد مفتوحاً على كافة الاحتمالات، في ظل غياب أفق سياسي واضح ينهي هذه المأساة الإنسانية والسياسية.

spot_imgspot_img