جذور تاريخية لعلاقة استثنائية
تمثل العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فريداً في الدبلوماسية الدولية، حيث تتجاوز حدود الشراكة السياسية والاقتصادية لتصل إلى عمق الأخوة وروابط الدم والمصير المشترك. تمتد هذه العلاقة المتينة لأكثر من 54 عاماً، وقد أرسى دعائمها الأولى المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، اللذان وضعا رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة تقوم على التكاتف والتعاون.
تعود هذه الروابط إلى ما قبل تأسيس دولة الإمارات عام 1971، حيث كانت المملكة داعماً رئيسياً لقيام الاتحاد، وسارعت بالاعتراف به وتقديم كل أشكال المساندة. تستند هذه العلاقة على إرث تاريخي من القيم المشتركة، والامتداد الجغرافي، والتداخل القبلي، والثقافة الواحدة، مما جعل التناغم بين البلدين أمراً طبيعياً ومستمراً عبر العقود.
شراكة استراتيجية وتنسيق على أعلى المستويات
في العصر الحديث، تبلورت هذه العلاقة الأخوية في شكل شراكة استراتيجية شاملة، تُعد الأقوى في منطقة الخليج العربي. ويتجلى هذا التنسيق في تأسيس “مجلس التنسيق السعودي الإماراتي” عام 2016، الذي يهدف إلى تكثيف التعاون الثنائي عبر استراتيجية متكاملة للتكامل الاقتصادي والتنموي والعسكري. يعمل المجلس كمنصة مؤسسية لتوحيد الرؤى والمواقف في مختلف المجالات، مما يعزز من قوة البلدين على الساحة الإقليمية والدولية.
اقتصادياً، تعتبر السعودية والإمارات شريكين تجاريين رئيسيين، حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، مع وجود استثمارات ضخمة متبادلة في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والعقارات، والسياحة. كما يمثل التنسيق في سياسات الطاقة، خاصة ضمن إطار “أوبك+”، ركيزة أساسية لاستقرار أسواق النفط العالمية.
تأثير إقليمي ودولي ورؤية مستقبلية مشتركة
على الصعيدين الإقليمي والدولي، تتبنى الرياض وأبوظبي مواقف متطابقة تجاه معظم القضايا الرئيسية، وتعملان معاً لمواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة. ويشمل ذلك التنسيق الأمني والعسكري لمكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة. هذا التحالف الاستراتيجي لا يخدم مصالح البلدين فحسب، بل يُعتبر صمام أمان للمنظومة الخليجية والعربية بأكملها.
وتتشارك القيادتان رؤية طموحة للمستقبل، تتجسد في “رؤية السعودية 2030” و”مئوية الإمارات 2071″، وهما خطتان تنمويتان تهدفان إلى تنويع الاقتصاد، وبناء مجتمعات قائمة على المعرفة والابتكار، وتحقيق التنمية المستدامة. هذا التقارب في الرؤى يفتح آفاقاً أوسع للتعاون المستقبلي، ويؤكد أن علاقة البلدين ليست مجرد تحالف تكتيكي، بل هي علاقة مصيرية مبنية على أسس صلبة من الأخوة والمصالح المشتركة التي تزداد رسوخاً مع مرور الزمن.


