يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحدة من أعقد الأزمات في مسيرته السياسية الطويلة، حيث تتشابك خيوط مستقبله السياسي مع مسار محاكماته في قضايا الفساد المعروفة. ويشير العنوان العريض للمرحلة الحالية إلى أن نتنياهو قد يكون أمام خيار صعب للغاية: الاعتراف بالذنب كشرط أساسي للحصول على صفقة عفو تجنبه السجن الفعلي، وهو ما يضعه في مأزق حقيقي يهدد إرثه السياسي.
خلفية قضايا الفساد: الملفات 1000 و2000 و4000
لفهم عمق المأزق الذي يعيشه نتنياهو، يجب العودة إلى أصل الاتهامات الموجهة إليه. يُحاكم نتنياهو في ثلاث قضايا رئيسية:
- القضية 1000: تتعلق بتهم الاحتيال وخيانة الأمانة، حيث يُتهم بتلقي هدايا فاخرة (سيجار وشمبانيا) من رجال أعمال أثرياء مقابل خدمات سياسية.
- القضية 2000: تتضمن محادثات مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” للحصول على تغطية إعلامية إيجابية مقابل التضييق على الصحيفة المنافسة “يسرائيل هيوم”.
- القضية 4000: وهي الأخطر، حيث يواجه تهمة الرشوة، وتتعلق بتقديم تسهيلات تنظيمية لشركة الاتصالات “بيزك” مقابل تغطية إيجابية في موقع “واللا” الإخباري.
معضلة “الوصمة الأخلاقية” والاعتراف
تتمحور فكرة “الاعتراف شرط العفو” حول مفاوضات صفقة الادعاء (Plea Bargain). تصر النيابة العامة والمستشار القضائي عادةً في مثل هذه القضايا على بند “الوصمة الأخلاقية” (Moral Turpitude) كجزء من أي صفقة. إذا اعترف نتنياهو بالذنب وقبل بهذه الوصمة، فإن القانون الإسرائيلي يمنعه من تولي مناصب عامة لمدة سبع سنوات، مما يعني عملياً نهاية حياته السياسية نظراً لعمره.
يرغب نتنياهو في تجنب السجن بأي ثمن، لكنه في الوقت ذاته يرفض التنازل عن مقعده في رئاسة الوزراء أو الاعتراف بتهم قد تلطخ سمعته التاريخية كأحد أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في السلطة. هذا التناقض هو جوهر المأزق؛ فالاعتراف ينهيه سياسياً، والمكابرة قد تنتهي به خلف القضبان إذا ما أدين في المحكمة.
التداعيات السياسية والمجتمعية
لا تقتصر آثار هذه المحاكمة على شخص نتنياهو فحسب، بل تمتد لتحدث شرخاً عميقاً في المجتمع الإسرائيلي والنظام السياسي. لقد أدت هذه القضايا إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي استمرت لسنوات، تخللتها جولات انتخابية متعددة ومحاولات لإجراء تعديلات قضائية مثيرة للجدل، فسرها المعارضون على أنها محاولة من نتنياهو لإضعاف القضاء والهروب من المحاكمة.
محلياً، يراقب حزب الليكود (حزب نتنياهو) الوضع بحذر، حيث أن خروج زعيمهم من المشهد سيفتح باب الصراع على الخلافة ويعيد تشكيل التحالفات الحزبية. أما دولياً، فإن استمرار محاكمة رئيس وزراء وهو على رأس عمله يضع إسرائيل في موقف محرج دبلوماسياً ويطرح تساؤلات حول مدى قدرته على اتخاذ قرارات مصيرية بعيداً عن ضغوطاته الشخصية والقانونية.
في الختام، يبقى السيناريو مفتوحاً على كافة الاحتمالات، ولكن الثابت هو أن شرط الاعتراف يمثل العقبة الكأداء التي تحول دون إغلاق هذا الملف الشائك، مما يبقي الساحة السياسية الإسرائيلية رهينة لمصير نتنياهو القانوني.


