حققت المملكة العربية السعودية قفزة نوعية في ملف التوطين ودعم الكوادر الوطنية، حيث كشفت أحدث الإحصائيات عن نجاح قطاعي الصناعة والتعدين في توظيف أكثر من 151 ألف مواطن ومواطنة خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الرقم لا يمثل مجرد إحصائية عابرة، بل يعكس تحولاً استراتيجياً في هيكلة سوق العمل السعودي وتوجه الدولة نحو الاعتماد على سواعد أبنائها في القطاعات الحيوية.
رؤية 2030 ومسار التحول الصناعي
يأتي هذا الإنجاز الكبير في سياق تنفيذ مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتحديداً ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب). فمنذ إطلاق الرؤية، وضعت القيادة السعودية ملف الصناعة والتعدين على رأس الأولويات لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. وقد ساهمت السياسات الحكومية المحفزة، وبرامج دعم التوطين التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية، في خلق بيئة عمل جاذبة للكفاءات الوطنية في هذه المجالات التقنية والفنية.
التعدين: الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية
يكتسب هذا الرقم أهمية خاصة عند النظر إلى قطاع التعدين، الذي تصفه المملكة بأنه "الركيزة الثالثة" للصناعة الوطنية بجانب النفط والغاز والبتروكيماويات. إن دمج آلاف السعوديين في هذا القطاع يعني بناء قاعدة معرفية وخبرات تراكمية محلية قادرة على قيادة مشاريع التعدين العملاقة مستقبلاً. هذا التوجه يضمن استدامة القطاع ويقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية في إدارة الموارد الطبيعية للمملكة، مما يعزز من الأمن الاقتصادي الوطني.
تمكين المرأة في القطاعات الصناعية
من الجوانب المضيئة في هذا الإنجاز هو شموله للمواطنات السعوديات، حيث يشير العنوان إلى توظيف "مواطن ومواطنة". هذا يعكس نجاح برامج تمكين المرأة وكسر الصورة النمطية التي كانت تحصر عمل المرأة في قطاعات محددة. اليوم، تشارك المرأة السعودية بفاعلية في خطوط الإنتاج، والمختبرات الصناعية، والإدارات الهندسية، مما يرفع من نسبة مشاركتها في القوى العاملة الوطنية ويحقق أحد أهم أهداف الرؤية المتعلقة بالمجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي المستدام
إن توظيف 151 ألف مواطن في قطاعات منتجة كالصناعة والتعدين يحمل دلالات اقتصادية عميقة؛ فهو يساهم بشكل مباشر في خفض معدلات البطالة، ويعزز من القوة الشرائية داخل الاقتصاد المحلي من خلال ضخ الرواتب في السوق الداخلية بدلاً من تحويلها للخارج. علاوة على ذلك، فإن العمل في هذه القطاعات يتطلب مهارات متقدمة، مما يعني أن هؤلاء الموظفين يكتسبون خبرات تقنية ترفع من قيمة رأس المال البشري السعودي، وتؤسس لجيل قادر على قيادة الثورة الصناعية الرابعة في المملكة.
ختاماً، يمثل هذا الرقم مؤشراً قوياً على نجاح الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويؤكد أن الرهان على الكفاءات السعودية هو الرهان الرابح لبناء اقتصاد قوي، متنوع، ومستدام للأجيال القادمة.


