شهدت العلاقات المتوترة أصلاً بين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية تصعيداً جديداً وخطيراً، وذلك على خلفية التقارير التي أفادت بتعزيز واشنطن لوجودها العسكري ونشر قوات بحرية إضافية في منطقة البحر الكاريبي. وقد اعتبرت كاراكاس هذه التحركات بمثابة استفزاز مباشر وتهديد صريح لسيادتها الوطنية، مما ينذر بتفجر الموقف الدبلوماسي والعسكري في المنطقة التي تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وبوابة استراتيجية لأمريكا اللاتينية.
وفي رد فعل غاضب، أصدرت الحكومة الفنزويلية بيانات شديدة اللهجة تندد بما وصفته بـ "العدوان الإمبريالي"، مشيرة إلى أن نشر القوات الأمريكية تحت ذريعة مكافحة تهريب المخدرات ما هو إلا غطاء لمحاولات زعزعة استقرار النظام في فنزويلا وفرض حصار بحري عليها. وتنظر القيادة في كاراكاس بعين الريبة إلى أي تحركات لـ "القيادة الجنوبية" للجيش الأمريكي (SOUTHCOM)، معتبرة أن الهدف النهائي هو التمهيد لتدخل عسكري محتمل أو دعم قوى المعارضة الداخلية لقلب نظام الحكم.
سياق تاريخي من الصراع والتوتر
لا يمكن قراءة هذا الحدث بمعزل عن السياق التاريخي المعقد للعلاقات بين البلدين، والتي تدهورت بشكل حاد منذ وصول التيار البوليفاري إلى السلطة. فقد فرضت واشنطن سلسلة طويلة من العقوبات الاقتصادية القاسية على قطاع النفط الفنزويلي وشخصيات حكومية بارزة، متهمة كاراكاس بانتهاك حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية. في المقابل، تتهم فنزويلا الولايات المتحدة بشن حرب اقتصادية تهدف إلى تجويع الشعب الفنزويلي والسيطرة على احتياطيات النفط الهائلة التي تمتلكها البلاد، والتي تعد الأكبر في العالم.
الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة
يتجاوز هذا التصعيد الإطار الثنائي ليأخذ أبعاداً إقليمية ودولية واسعة. فمنطقة البحر الكاريبي تمثل شرياناً حيوياً للتجارة الدولية وممراً استراتيجياً للطاقة. ويرى مراقبون أن التواجد العسكري الأمريكي المكثف يهدف أيضاً إلى تحجيم النفوذ المتزايد لقوى دولية منافسة في المنطقة، وتحديداً روسيا والصين وإيران، التي تربطها علاقات وثيقة مع فنزويلا. حيث قدمت هذه الدول دعماً اقتصادياً وعسكرياً لكاراكاس ساعدها على الصمود في وجه العقوبات الأمريكية، مما حول الأزمة الفنزويلية إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية بين القوى العظمى.
مخاوف من الانزلاق نحو المواجهة
تثير هذه التطورات مخاوف جدية لدى دول الجوار والمجتمع الدولي من احتمال حدوث احتكاك عسكري غير محسوب في المياه الدولية، قد يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية واسعة النطاق. وتدعو العديد من المنظمات الدولية ودول أمريكا اللاتينية إلى ضرورة خفض التصعيد واللجوء إلى القنوات الدبلوماسية لحل الخلافات، محذرة من أن عسكرة البحر الكاريبي لن تجلب سوى المزيد من عدم الاستقرار للمنطقة بأسرها، وستفاقم من معاناة الشعوب التي ترزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية.


