في خطوة قد تمثل بارقة أمل لإنهاء الصراع الدامي، أعلنت قوات الدعم السريع في السودان، يوم الاثنين، عن هدنة إنسانية من جانب واحد تمتد لثلاثة أشهر. ويأتي هذا الإعلان المفاجئ في وقت تتكثف فيه المساعي الدبلوماسية الإقليمية والدولية، بقيادة الرباعية الدولية والولايات المتحدة، لوضع حد للحرب المدمرة التي تعصف بالبلاد منذ أبريل 2023.
خلفية الصراع وجذوره العميقة
انفجر الصراع الحالي في السودان في 15 أبريل 2023، لكن جذوره تعود إلى التوترات المتصاعدة بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في البلاد: الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”. كان الرجلان حليفين سابقين، حيث قادا معًا الانقلاب العسكري في عام 2019 الذي أطاح بالرئيس عمر البشير، ثم الانقلاب الثاني في أكتوبر 2021 الذي أوقف عملية الانتقال الديمقراطي. إلا أن الخلافات حول خطة دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وهو شرط أساسي للعودة إلى الحكم المدني، أدت إلى انهيار شراكتهما واندلاع مواجهات عنيفة في العاصمة الخرطوم وسرعان ما امتدت إلى جميع أنحاء البلاد، خاصة في إقليم دارفور.
أهمية الإعلان وتأثيره المحتمل
يحمل إعلان الهدنة أهمية كبرى على الصعيدين الإنساني والسياسي. فمن الناحية الإنسانية، إذا صمدت هذه الهدنة، فإنها قد تفتح ممرات آمنة طال انتظارها لوصول المساعدات الإغاثية إلى ملايين المدنيين المحاصرين في مناطق القتال، والذين يواجهون مجاعة كارثية وانهيارًا شبه كامل للقطاع الصحي. وقال حميدتي في كلمته المسجلة إن قواته “ملتزمة بتسهيل العمل الإنساني ووصول الفرق الإغاثية للتخفيف من معاناة السودانيين”. وعلى الصعيد السياسي، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها استجابة للضغوط الدولية المتزايدة، وقد تفتح الباب أمام استئناف المفاوضات الجادة بين الطرفين المتحاربين. وأشار دقلو إلى “استجابة للجهود الدولية المبذولة، وعلى رأسها مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومساعي دول الرباعية”.
تداعيات إقليمية ودولية
لقد تسببت الحرب في السودان في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث شردت أكثر من 12 مليون شخص بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان، مما شكل ضغطًا هائلاً على موارد هذه الدول وهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. لذلك، فإن أي خطوة نحو وقف إطلاق النار تحظى بترحيب إقليمي ودولي حذر. وتأتي هذه الهدنة في سياق جهود دبلوماسية مكثفة تقودها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عبر “منبر جدة”، بالإضافة إلى مساعٍ من مصر والإمارات والاتحاد الأفريقي. ورغم عدم صدور تعليق فوري من قيادة الجيش السوداني، نقلت مصادر دبلوماسية أن الإعلان يمثل “مفاجأة إيجابية قد تفتح الباب أمام مفاوضات جادة”.
يبقى نجاح هذه الهدنة مرهونًا بمدى التزام قوات الدعم السريع بها على الأرض، والأهم من ذلك، برد فعل الجيش السوداني. فالتجارب السابقة مع اتفاقيات وقف إطلاق النار لم تكن مشجعة، حيث سرعان ما كانت تُخرق. لكن الأمل معقود هذه المرة على أن تكون المعاناة الإنسانية الهائلة والضغوط الدولية كافية لدفع الطرفين نحو طاولة المفاوضات لإنهاء حرب دمرت وطنًا بأكمله.


