في إطار حديثه عن آليات العمل الدبلوماسي الخليجي، سلط الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبدالله بشارة، الضوء على القواعد غير المكتوبة التي تحكم إدارة القمم الخليجية، مشيراً إلى وجود ثلاث «محظورات» أساسية يجب تجنبها لضمان نجاح هذه اللقاءات رفيعة المستوى. وتأتي هذه الرؤية نابعة من خبرة دبلوماسية عريقة امتدت لعقود، عاصر خلالها بشارة تأسيس المجلس وتحدياته الأولى.
فلسفة إدارة القمم الخليجية
أوضح بشارة أن إدارة القمم الخليجية لا تعتمد فقط على جداول الأعمال الرسمية، بل تحكمها تقاليد دبلوماسية راسخة تهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على تماسك البيت الخليجي. وتتمحور المحظورات الثلاثة حول تجنب المفاجآت غير المتفق عليها مسبقاً، والابتعاد عن طرح القضايا الخلافية التي لم تنضج حلولها في الاجتماعات التحضيرية، وعدم السماح للإعلام بتضخيم التباينات الطبيعية في وجهات النظر. هذه القواعد تضمن أن تكون القمة منصة لإعلان التوافق وليس ساحة للنقاش الجدلي.
السياق التاريخي وتأسيس مجلس التعاون
لفهم عمق هذه الرؤية، يجب العودة إلى السياق التاريخي لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981، حيث كان عبدالله بشارة أول أمين عام للمجلس (1981-1993). تأسس المجلس في فترة بالغة التعقيد تزامنت مع الحرب العراقية الإيرانية والتوترات الإقليمية، مما فرض نمطاً خاصاً من الدبلوماسية الهادئة. كانت الحاجة ملحة حينها لخلق كيان يضمن الأمن الجماعي والاستقرار الاقتصادي، وهو ما رسخ مبدأ «التوافق» بدلاً من التصويت بالأغلبية، لضمان عدم عزل أي دولة عضو.
أهمية القمم وتأثيرها الإقليمي والدولي
تكتسب القمم الخليجية أهمية استراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية للدول الست، حيث ينظر العالم إلى هذه الاجتماعات كمؤشر على استقرار منطقة تعد شرياناً رئيسياً للطاقة العالمية. إن الالتزام بـ«المحظورات» التي أشار إليها بشارة ساهم على مدار أكثر من أربعة عقود في حماية المجلس من التصدع رغم العواصف السياسية التي مرت بها المنطقة، بدءاً من حرب الخليج الثانية وصولاً إلى التحديات الاقتصادية والسياسية المعاصرة.
الدبلوماسية الوقائية ووحدة الصف
يؤكد الخبراء أن منهجية عبدالله بشارة في توصيف إدارة القمم تعكس جوهر «الدبلوماسية الوقائية». فمن خلال تحييد الخلافات قبل وصول القادة إلى القاعة، يتم التركيز على الملفات المشتركة مثل التكامل الاقتصادي، والربط الكهربائي، والتعاون الأمني. هذا النهج لم يحافظ فقط على ديمومة انعقاد القمم بانتظام، بل عزز من مكانة مجلس التعاون كأحد أنجح المنظمات الإقليمية العربية في التاريخ الحديث، مما يجعله نموذجاً فريداً في العمل العربي المشترك.


