spot_img

ذات صلة

البرهان يدعو للعودة لعلم استقلال السودان: الأسباب والدلالات

في خطوة تحمل دلالات رمزية وسياسية عميقة، برزت دعوات وتوجهات من رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، للعودة إلى اعتماد علم استقلال السودان (الأزرق، الأصفر، والأخضر) كراية رسمية للبلاد، بدلاً من العلم الحالي الذي تم اعتماده منذ حقبة السبعينيات. تأتي هذه الدعوة في وقت يمر فيه السودان بمنعطف تاريخي حرج وحرب طاحنة تتطلب إعادة تعريف للهوية الوطنية الجامعة.

تاريخ علم الاستقلال ودلالات الألوان

بالعودة إلى الوراء، وتحديداً إلى لحظة نيل السودان استقلاله في الأول من يناير عام 1956، تم رفع علم الاستقلال الذي صممته السريرة مكي الصوفي. تميز هذا العلم بألوانه الثلاثة الأفقية التي كانت تعبر بصدق عن طبيعة السودان الجغرافية والاجتماعية بعيداً عن الاصطفافات الأيديولوجية:

  • اللون الأزرق (في الأعلى): يرمز إلى نهر النيل الخالد، شريان الحياة الذي يربط شمال السودان بجنوبه (قبل الانفصال) ويشكل عماد الحضارة السودانية.
  • اللون الأصفر (في المنتصف): يرمز إلى الصحراء الكبرى التي تمتد في شمال وغرب البلاد، وتعبر عن الصمود والأصالة.
  • اللون الأخضر (في الأسفل): يرمز إلى الأراضي الزراعية الخصبة في الدلتا والجزيرة والجنوب، معبراً عن النماء والخيرات.

لماذا تم تغيير العلم عام 1970؟

استمر العمل بعلم الاستقلال حتى عام 1970، عندما قرر نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري تغيير العلم إلى الشكل الحالي (الأحمر، الأبيض، الأسود، والمثلث الأخضر). جاء هذا التغيير ليتماشى مع موجة "القومية العربية" التي كانت سائدة آنذاك، حيث تشاركت العديد من الدول العربية في هذه الألوان المستوحاة من راية الثورة العربية الكبرى. وقد رأى العديد من المؤرخين والسياسيين السودانيين في وقت لاحق أن هذا التغيير كان بداية لطمس الهوية السودانية الخاصة لصالح أيديولوجيات عابرة للحدود.

رمزية العودة في ظل الحرب الحالية

تكتسب دعوة البرهان للعودة إلى علم الاستقلال أهمية قصوى في السياق الراهن لعدة أسباب:

  1. استعادة الهوية الوطنية: يعتبر علم الاستقلال رمزاً للحياد والوحدة الوطنية، حيث لا يرتبط بأي نظام عسكري أو حزب سياسي معين، عكس العلم الحالي الذي ارتبط بحقبة "مايو" ثم "الإنقاذ".
  2. رمزية ثورة ديسمبر: خلال ثورة ديسمبر 2018، رفع المتظاهرون علم الاستقلال بكثافة في ساحة الاعتصام كشعار للحرية والرفض للأنظمة الشمولية، مما يجعله خياراً شعبياً مقبولاً لقطاع واسع من الشباب.
  3. رسالة سياسية: قد تُقرأ هذه الخطوة كمحاولة من قيادة الجيش لتأسيس "سودان جديد" يقطع الصلة مع الإرث السياسي للأنظمة السابقة، ويعيد الاعتبار للرموز الوطنية التي سبقت الانقلابات العسكرية.

إن العودة إلى علم 1956 ليست مجرد تغيير في الألوان، بل هي محاولة لاستدعاء روح التوافق الوطني الأولى، ورسالة للداخل والخارج بأن السودان يسعى لتضميد جراحه والعودة إلى أصوله الراسخة بعيداً عن التجاذبات السياسية التي مزقت نسيجه الاجتماعي.

spot_imgspot_img