رحبت الهيئة العامة للعقار بقرار مجلس الوزراء الموقر القاضي بالموافقة على تعديلات نظام التسجيل العيني للعقار، مؤكدة أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول جوهرية ونقلة نوعية في مسيرة تنظيم القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية. وأوضحت الهيئة أن هذه التعديلات تأتي تتويجاً للجهود المستمرة لتطوير البيئة التشريعية والتنظيمية للقطاع، بما يضمن حفظ حقوق الملاك والمتعاملين، ويعزز من موثوقية الصكوك العقارية كوثائق رسمية نهائية لا تقبل الطعن، مما يرسخ مبدأ العدالة والشفافية.
وتكتسب هذه التعديلات أهمية استراتيجية بالغة عند النظر إليها ضمن السياق العام للتحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة تحت مظلة رؤية 2030. فلطالما كان القطاع العقاري أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، والمساهم الأكبر في الناتج المحلي غير النفطي. وتأتي هذه الخطوة لمعالجة تحديات تاريخية واجهت السوق العقاري، حيث يهدف نظام التسجيل العيني للعقار إلى تحويل توثيق الملكية من النظام الشخصي (المعتمد قديماً على أسماء الملاك وتسلسل المبايعات) إلى النظام العيني الحديث (المعتمد على أوصاف العقار وموقعه الجغرافي الدقيق وإحداثياته)، مما يمنح كل وحدة عقارية هوية مستقلة تضمن دقة البيانات وتمنع الازدواجية أو التداخل في الملكيات الذي كان يحدث في السابق.
وعلى الصعيد الاقتصادي والاستثماري، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تسهم التعديلات الجديدة بشكل مباشر في رفع كفاءة السوق العقاري وزيادة جاذبيته للاستثمارات المحلية والأجنبية. إن وجود سجل عقاري دقيق وموثوق يقلل بشكل كبير من المخاطر القانونية المرتبطة بالملكية العقارية، وهو ما يبحث عنه المستثمرون الدوليون والصناديق العقارية العالمية. كما أن هذه الموثوقية ستسهل إجراءات البيع والشراء، وتدعم قطاع التمويل العقاري من خلال تسهيل عمليات الرهن والتمويل، مما ينعكس إيجاباً على نشاط السوق وحركة التداول.
إضافة إلى ذلك، ستلعب هذه التعديلات دوراً محورياً في القضاء على النزاعات العقارية التي كانت تستنزف وقت وجهد المحاكم والجهات القضائية لسنوات طويلة بسبب عدم دقة وصف العقارات أو تداخل الصكوك القديمة. فمن خلال الاعتماد على التقنيات الجيومكانية الحديثة والمسح العقاري الدقيق والربط التقني المتقدم، سيتم تحديد حدود كل عقار بدقة متناهية، مما يرسخ مبدأ «الحجية المطلقة» للصكوك الصادرة عن السجل العقاري، بحيث تصبح الوثيقة حجة قاطعة في مواجهة الكافة لا يجوز الطعن فيها إلا في حالات ضيقة جداً ومحددة.
وختاماً، جددت الهيئة العامة للعقار التزامها الكامل بتطبيق التعديلات الجديدة وفق أعلى المعايير الفنية والتقنية العالمية، بالتعاون مع الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار (السجل العقاري) وكافة الجهات ذات العلاقة. وتهدف هذه المنظومة المتكاملة إلى تحقيق الأهداف المرجوة من النظام، والمساهمة في تعزيز الشفافية والموثوقية في السوق العقاري السعودي، بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن، ويجعل من القطاع العقاري السعودي نموذجاً يحتذى به إقليمياً ودولياً في التنظيم والحوكمة.


