أكدت منظمة العفو الدولية، في أحدث تقاريرها الميدانية، أن إسرائيل تواصل ارتكاب ما يرقى إلى جريمة «الإبادة الجماعية» في قطاع غزة، ضاربة عرض الحائط بكافة التحذيرات الدولية والاتفاقات الضمنية مع الإدارة الأمريكية بشأن تحسين الوضع الإنساني. وأشارت المنظمة إلى أن العمليات العسكرية المستمرة والحصار الخانق لم يتركا مكاناً آمناً للمدنيين في القطاع، مما يعكس إصراراً على المضي قدماً في سياسات العقاب الجماعي.
ويأتي هذا التصريح الحاد من المنظمة الحقوقية العالمية في وقت حساس للغاية، حيث كان من المتوقع أن تلتزم إسرائيل بسلسلة من الإجراءات التي طالبت بها الولايات المتحدة الأمريكية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية وتجنب استهداف المدنيين بشكل عشوائي. إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث تستمر الغارات الجوية والقصف المدفعي في حصد أرواح العشرات يومياً، مع تفاقم أزمة الجوع ونقص الدواء بشكل غير مسبوق في شمال وجنوب القطاع.
ومن الناحية التاريخية والقانونية، يستند تقرير العفو الدولية إلى تعريفات القانون الدولي الإنساني واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. وترى المنظمة أن الأفعال الإسرائيلية، التي تشمل التدمير الممنهج للبنية التحتية المدنية، واستهداف المستشفيات، ومنع وصول الغذاء والماء، تتطابق مع الأركان المادية لهذه الجريمة. ويشكل هذا الموقف دعماً قانونياً للدعاوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، والتي تطالب باتخاذ تدابير احترازية لوقف العدوان.
على الصعيد السياسي، يضع هذا التقرير الإدارة الأمريكية في موقف محرج أمام المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي. فبينما تعلن واشنطن عن سعيها للتوصل إلى اتفاقات تهدئة وتحسين الوضع الإنساني، تواصل تقديم الدعم العسكري والغطاء السياسي لإسرائيل. ويرى مراقبون أن استمرار إسرائيل في تجاهل «المحددات الأمريكية» دون عواقب فعلية يفرغ الدبلوماسية الأمريكية من مضمونها، ويؤكد عجز القوى الكبرى عن فرض القانون الدولي.
إن تداعيات هذا الوضع لا تقتصر على الداخل الفلسطيني فحسب، بل تمتد لتشمل استقرار المنطقة بأسرها. فاستمرار المشاهد المروعة القادمة من غزة يغذي حالة الغضب الشعبي في العالم العربي والإسلامي، ويزيد من مخاطر توسع رقعة الصراع إقليمياً. وتختتم العفو الدولية موقفها بضرورة التحرك الفوري من قبل مجلس الأمن الدولي لفرض وقف شامل لإطلاق النار، معتبرة أن الاكتفاء بالتصريحات والاتفاقات الهشة لم يعد مقبولاً أمام حجم الكارثة الإنسانية المستمرة.


