في تطور مفاجئ هز الأوساط السياسية في العاصمة الأوكرانية كييف، أفادت الأنباء بتقديم أندريه يرمك، رئيس مكتب الرئيس الأوكراني والذراع اليمنى للرئيس فولوديمير زيلينسكي، استقالته من منصبه. ويأتي هذا القرار المدوّي وسط عاصفة من الاتهامات والتقارير التي تشير إلى تورطه فيما بات يُعرف إعلامياً بملف «الرشاوى النووية»، مما يضع القيادة الأوكرانية أمام واحد من أصعب اختباراتها الداخلية منذ اندلاع الحرب.
نهاية نفوذ الرجل الثاني في أوكرانيا
يُعد أندريه يرمك شخصية محورية في النظام السياسي الأوكراني الحالي، حيث تولى رئاسة مكتب الرئيس منذ فبراير 2020. ولم يكن يرمك مجرد موظف إداري رفيع، بل كان يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره «الرجل الثاني» الفعلي في البلاد، والمشرف المباشر على العديد من الملفات الحساسة، بما في ذلك المفاوضات الدولية وملفات تبادل الأسرى، فضلاً عن إحكام قبضته على السياسات الداخلية. إن سقوط شخصية بهذا الثقل يعكس عمق الأزمة التي قد تسببها فضيحة الفساد المزعومة، ويشير إلى تحولات جذرية محتملة في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس زيلينسكي.
قطاع الطاقة النووية: شريان الحياة وبؤرة الجدل
لفهم سياق «الرشاوى النووية»، يجب النظر إلى الأهمية الاستراتيجية لقطاع الطاقة في أوكرانيا. تعتمد البلاد بشكل كبير على الطاقة النووية لتأمين احتياجاتها من الكهرباء، خاصة في ظل استهداف البنية التحتية للطاقة خلال الحرب. وتدير شركة «إنيرغواتوم» الحكومية المحطات النووية في البلاد. تاريخياً، كان قطاع الطاقة في أوكرانيا هدفاً لمحاولات الكسب غير المشروع وشبهات الفساد، نظراً للميزانيات الضخمة والعقود الدولية المرتبطة به. وأي اتهامات تتعلق بـ «رشاوى» في هذا القطاع الحساس لا تمس فقط النزاهة المالية، بل تمس الأمن القومي الأوكراني بشكل مباشر، خاصة في ظل الحاجة الماسة لتأمين الطاقة خلال فصل الشتاء.
تداعيات دولية ومطالب الإصلاح
تأتي هذه الاستقالة في توقيت حرج للغاية، حيث تكثف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطهما على كييف لتنفيذ إصلاحات جذرية في مجال مكافحة الفساد كشرط أساسي لاستمرار الدعم المالي والعسكري، وكخطوة ضرورية في مسار انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. لطالما أكد الحلفاء الغربيون على ضرورة تنظيف المؤسسات الحكومية من الفساد المستشري. وبالتالي، فإن خروج يرمك من المشهد قد يُقرأ على أنه استجابة لهذه الضغوط، أو محاولة من الرئيس زيلينسكي لإثبات جديته في مبدأ «عدم التسامح مطلقاً» مع الفساد، حتى لو طال أقرب المقربين إليه.
مستقبل المشهد السياسي في كييف
من المتوقع أن تفتح هذه الاستقالة الباب أمام إعادة هيكلة واسعة داخل الإدارة الأوكرانية. سيترقب المراقبون المحليون والدوليون الشخصية التي ستخلف يرمك، وكيف ستتعامل السلطات القضائية مع ملف «الرشاوى النووية». إن نجاح أوكرانيا في تجاوز هذه الأزمة بشفافية قد يعزز من مصداقيتها الدولية، بينما قد يؤدي التستر أو الفوضى السياسية إلى إضعاف الجبهة الداخلية في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أقصى درجات التماسك.


