في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعميق السوق المالية وتوسيع قاعدة المستثمرين، أقرت هيئة السوق المالية السعودية تعديلات جوهرية تتعلق بتخفيف شروط الاستثمار في السوق الموازية (نمو). يأتي هذا القرار استجابةً للتطورات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد السعودي، وسعياً لتمكين شريحة أوسع من المستثمرين الأفراد والمؤسسات من الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في الشركات الصغيرة والمتوسطة المدرجة في هذه السوق.
تفاصيل القرار وأهدافه المباشرة
تتمحور التعديلات الجديدة حول إعادة تعريف “المستثمر المؤهل”، حيث تسعى الهيئة من خلال هذه الخطوة إلى تبسيط المتطلبات التي كانت تحد سابقاً من دخول الأفراد إلى سوق “نمو”. وتشمل التسهيلات المتوقعة تقليص حجم المحفظة الاستثمارية المطلوب توفرها، أو الاعتراف بشهادات مهنية إضافية كبديل لشرط الخبرة العملية أو الملاءة المالية العالية. ويهدف هذا التوجه بشكل مباشر إلى ضخ سيولة جديدة في السوق، مما ينعكس إيجاباً على أحجام التداول ويدعم استقرار الأسعار وعدالتها.
السياق التاريخي: نشأة سوق “نمو” ودورها
لفهم أهمية هذا القرار، يجب العودة إلى السياق التاريخي لنشأة السوق الموازية “نمو”، التي أطلقتها شركة السوق المالية السعودية (تداول) في 26 فبراير 2017. جاء تأسيس هذه السوق كمنصة بديلة بمتطلبات إدراج أكثر مرونة مقارنة بالسوق الرئيسية (تاسي)، بهدف رئيسي هو توفير مصادر تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصاديات النامية. ومنذ انطلاقها، خضعت السوق لعدة مراجعات تنظيمية، إلا أن شرط “المستثمر المؤهل” ظل دائماً صمام الأمان لضمان وعي المتعاملين بمخاطر الاستثمار في شركات قد تكون أكثر تذبذباً.
الأهمية الاقتصادية وتوافقها مع رؤية 2030
يندرج قرار تخفيف الشروط ضمن مستهدفات “برنامج تطوير القطاع المالي”، أحد أهم برامج رؤية المملكة 2030. تسعى الرؤية إلى رفع جاذبية السوق المالية السعودية لتصبح مركزاً إقليمياً ودولياً للاستثمار، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي. من خلال تسهيل دخول المستثمرين إلى “نمو”، تدعم الهيئة نمو الشركات الوطنية وتساعدها على التوسع، مما يخلق وظائف جديدة ويعزز التنوع الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط.
التأثيرات المتوقعة محلياً وإقليمياً
على الصعيد المحلي، يتوقع المحللون أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة عدد الاكتتابات الأولية في السوق الموازية، حيث ستشعر الشركات برغبة أكبر في الإدراج نظراً لتوفر السيولة. أما إقليمياً، فإن هذه الخطوة تعزز مكانة السوق السعودية كأكبر وأنشط سوق مالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما قد يجذب المزيد من التدفقات الاستثمارية الأجنبية التي تبحث عن أسواق ناشئة ذات تنظيمات مرنة وشفافة. إن تخفيف القيود لا يعني التخلي عن الحذر، بل هو موازنة دقيقة بين حماية المستثمر وتنشيط الاقتصاد.


