تتجه أنظار العالم صوب العاصمة السعودية الرياض، التي تستعد لاستضافة الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16)، في حدث يمثل نقطة تحول جوهرية في مسار الجهود الدولية الرامية لحماية كوكب الأرض. يأتي هذا المؤتمر تأكيداً على التزام المملكة العربية السعودية بتنفيذ «قرارات الرياض» ودعم الحراك العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف، مما يعكس دور المملكة القيادي في الملف البيئي على الساحتين الإقليمية والدولية.
سياق تاريخي: 30 عاماً من الكفاح لأجل الأرض
يأتي انعقاد «كوب 16» في توقيت بالغ الأهمية، حيث يتزامن مع الذكرى الثلاثين لتأسيس اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) في عام 1994. وتعد هذه الاتفاقية واحدة من الاتفاقيات الثلاث المنبثقة عن قمة ريو للأرض، إلى جانب اتفاقيتي المناخ والتنوع البيولوجي. وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، سعى المجتمع الدولي لوضع أطر قانونية وعلمية للحد من زحف الصحاري، إلا أن استضافة الرياض لهذا الحدث في ديسمبر 2024 تنقل هذه الجهود من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعد من أكثر المناطق تضرراً من التغير المناخي.
أهمية الحدث: ما وراء البيئة
لا يقتصر تأثير مؤتمر «كوب 16» على الجانب البيئي فحسب، بل يمتد ليشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية عميقة. تشير التقارير الأممية إلى أن تدهور الأراضي يؤثر سلباً على حياة أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم، ويهدد الأمن الغذائي العالمي، كما يعد محركاً رئيسياً للهجرة القسرية والنزوح. ومن هنا، تبرز أهمية المؤتمر في حشد التمويل الدولي اللازم لاستصلاح الأراضي المتدهورة، وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في وجه الجفاف، وهو ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
الدور السعودي: مبادرات خضراء ورؤية طموحة
لم تأتِ استضافة الرياض لهذا الحدث العالمي من فراغ، بل هي تتويج لسلسلة من المبادرات الرائدة التي أطلقتها المملكة، وعلى رأسها «مبادرة السعودية الخضراء» و«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر». تهدف هذه المبادرات إلى زراعة مليارات الأشجار وتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يجعل المملكة نموذجاً يحتذى به في التحول نحو الاقتصاد الأخضر. ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر إطلاق شراكات دولية جديدة وتبني تقنيات مبتكرة في مجال الزراعة المستدامة وإدارة الموارد المائية، مما يعزز مكانة الرياض كعاصمة للقرار البيئي العالمي.
في الختام، يمثل «كوب 16» فرصة تاريخية لتوحيد الرؤى العالمية ووضع استراتيجيات قابلة للتطبيق لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة، معيداً الأمل في قدرة البشرية على استعادة توازن الطبيعة.


