أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني في سوريا عن توقيع عقود الامتياز النهائية للاستثمار في إنشاء وتطوير وتشغيل مطار دمشق الدولي، وذلك مع ائتلاف دولي تقوده شركة “أورباكون للتجارة والمقاولات” القطرية. تمثل هذه الخطوة نقطة تحول هامة في مسار إعادة إعمار البنية التحتية الحيوية في سوريا، وتحمل في طياتها دلالات اقتصادية وجيوسياسية عميقة للمنطقة.
خلفية تاريخية وأهمية مطار دمشق
يُعد مطار دمشق الدولي، الذي تم افتتاحه في سبعينيات القرن الماضي، البوابة الجوية الرئيسية لسوريا ورمزاً من رموزها الحديثة. قبل اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، كان المطار محوراً رئيسياً للنقل الجوي في المشرق العربي، حيث كان يخدم ملايين المسافرين سنوياً ويربط سوريا بالعشرات من الوجهات العالمية. إلا أن سنوات الحرب الطويلة أثرت بشكل كبير على بنيته التحتية، وأدت إلى تراجع حركته الجوية وتدهور مرافقه، فضلاً عن العقوبات الدولية التي فرضت عزلة على قطاع الطيران السوري.
تفاصيل المشروع وتأثيره الاقتصادي المحلي
يهدف عقد الامتياز الجديد إلى إعادة تأهيل المطار بشكل شامل وتوسعته ليتوافق مع المعايير الدولية الحديثة. من المتوقع أن يشمل المشروع بناء صالات جديدة للمسافرين، وتحديث المدرجات وأنظمة الملاحة الجوية، وتطوير مناطق الشحن والخدمات اللوجستية. على الصعيد المحلي، يُنتظر أن يساهم هذا المشروع الضخم في تحريك عجلة الاقتصاد السوري عبر توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة خلال مراحل الإنشاء والتشغيل، بالإضافة إلى تنشيط قطاعات مرتبطة مثل المقاولات، والنقل، والضيافة. كما أن تحديث المطار سيعزز من قدرة سوريا على جذب الاستثمارات الخارجية وتسهيل حركة التجارة والسياحة في مرحلة ما بعد الحرب.
الأبعاد الإقليمية والدولية للاتفاق
تكمن الأهمية الكبرى لهذا الاتفاق في أبعاده الإقليمية. فدخول شركة قطرية رائدة مثل “أورباكون” على رأس ائتلاف دولي للاستثمار في مشروع بهذا الحجم في دمشق، يُعد مؤشراً قوياً على التحولات في الخارطة السياسية للمنطقة، ويعكس مسار عودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وعدد من الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج. يأتي هذا المشروع كخطوة عملية تترجم التقارب السياسي إلى تعاون اقتصادي ملموس، وقد يفتح الباب أمام استثمارات خليجية وعربية أخرى في قطاعات مختلفة ضمن خطط إعادة الإعمار السورية. دولياً، يمثل المشروع تحدياً للعقوبات الغربية المفروضة على سوريا، ويشير إلى أن بعض القوى الإقليمية بدأت في رسم مسار مستقل للتعامل مع الملف السوري، مع التركيز على المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.


