تحركات دبلوماسية حاسمة لإنهاء الحرب
في منعطف جديد ضمن الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب المستمرة في قطاع غزة، كثفت كل من مصر وقطر، بصفتهما الوسيطين الرئيسيين، دعواتهما للأطراف المعنية للإسراع في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة المقترح. وتكتسب هذه الدعوة أهمية مضاعفة، حيث تأتي بالتزامن مع قيام حركة حماس بتسليم رفات أسير إسرائيلي، وهي خطوة تحمل دلالات إنسانية وسياسية قد تساهم في كسر الجمود الذي خيم على مسار المفاوضات المعقدة.
السياق العام والخلفية التاريخية
تأتي هذه الجهود في أعقاب أشهر من الحرب المدمرة التي اندلعت بعد هجوم السابع من أكتوبر، والتي خلفت أزمة إنسانية كارثية في قطاع غزة، مع عشرات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين ودمار هائل في البنية التحتية. ومنذ بداية الصراع، لعبت القاهرة والدوحة، بدعم من الولايات المتحدة، دوراً محورياً في محاولة التوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار. وقد شهدت الفترة الماضية عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة، نجحت إحداها في تحقيق هدنة مؤقتة في نوفمبر 2023 تم خلالها تبادل عدد من المحتجزين والأسرى. إلا أن الجهود للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار لا تزال تواجه عقبات كبيرة تتعلق بمطالب الطرفين الرئيسية.
تفاصيل المراحل المقترحة للاتفاق
لفهم عمق الدعوة الحالية، من الضروري استعراض هيكلية المقترح الذي تدعمه أطراف دولية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2735، والذي ينقسم إلى ثلاث مراحل متتالية ومترابطة:
- المرحلة الأولى: تبدأ بوقف فوري ومؤقت لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع، يتم خلالها انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في غزة. وتشمل هذه المرحلة إطلاق سراح المحتجزين من النساء والأطفال وكبار السن والجرحى، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى السماح بدخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى كافة أنحاء القطاع.
- المرحلة الثانية: وهي محور الدعوة المصرية القطرية الحالية، وتهدف إلى التوصل إلى اتفاق لـ”الوقف الدائم للأعمال العدائية”. خلال هذه المرحلة، يتم إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء المتبقين، بمن فيهم الجنود، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
- المرحلة الثالثة: تركز على المستقبل طويل الأمد للقطاع، حيث تبدأ خطة إعادة إعمار كبرى لغزة بدعم دولي، وتستمر لعدة سنوات. كما تتضمن هذه المرحلة تسليم رفات الموتى من الجانبين.
الأهمية الاستراتيجية والتأثير المتوقع
يحمل الانتقال إلى المرحلة الثانية أهمية استراتيجية قصوى، فهو يعني التحول من إدارة الصراع عبر هدن مؤقتة إلى السعي الجاد لإنهائه بشكل كامل. على الصعيد المحلي، يمثل هذا المطلب الفلسطيني الأساسي بإنهاء الحرب والانسحاب الكامل، بينما يواجه تحديات سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية التي تصر على تحقيق أهدافها العسكرية. أما تسليم رفات الأسير، فيعتبر بادرة قد تساهم في بناء الثقة، وتضغط على المستوى الإنساني داخل المجتمع الإسرائيلي للدفع نحو إبرام صفقة شاملة.
إقليمياً ودولياً، يُنظر إلى نجاح هذه الجهود على أنه مفتاح لنزع فتيل التوتر في منطقة الشرق الأوسط، والذي امتد ليشمل جبهات أخرى في لبنان والبحر الأحمر. إن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة من شأنه أن يقلل من احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة، ويعزز من دور الدبلوماسية في حل الأزمات. كما يمثل نجاح الوساطة انتصاراً للجهود الدولية التي تسعى لتجنب المزيد من الكوارث الإنسانية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.


