لطالما شكل فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق ووزير الخارجية المخضرم، حالة فريدة داخل أروقة النظام السوري، خاصة مع اندلاع الاحتجاجات في عام 2011. لم تكن مخاوف الشرع تتعلق بمجرد بقاء الأشخاص أو المناصب، بل كانت تنبع من قراءة عميقة ومعقدة لمستقبل الدولة السورية ككيان موحد في حال انزلاق البلاد نحو الحلول العسكرية الصفرية.
السياق العام: صوت العقل في زمن العسكرة
في الوقت الذي تبنت فيه السلطات السورية الخيار الأمني والعسكري كحل وحيد للتعامل مع الحراك الشعبي، كان فاروق الشرع يغرد خارج السرب. استند الشرع في رؤيته إلى خبرة دبلوماسية امتدت لعقود، أدرك من خلالها أن الأزمة السورية لا يمكن حلها بانتصار طرف وإلغاء الآخر. كانت قناعته الراسخة، التي عبر عنها في مقابلته الشهيرة مع صحيفة "الأخبار" اللبنانية عام 2012، أن الحسم العسكري وهم، وأن استمرار المعارك لن يؤدي إلا إلى تدمير البنية التحتية والمجتمعية لسوريا.
ما الذي كان يقلق الشرع حقاً؟
تمحورت مخاوف الشرع الأساسية حول نقطة جوهرية: الفرق بين سقوط النظام وسقوط الدولة. كان يخشى أن تؤدي عملية "إسقاط الأسد" عبر القوة العسكرية البحتة، أو تمسك النظام بالسلطة عبر التدمير الشامل، إلى نتيجة واحدة وهي انهيار مؤسسات الدولة السورية وتفتت النسيج الاجتماعي. كان الشرع يرى أن المعارضة لا تملك القدرة على الحسم، وأن الجيش السوري لا يمكنه البقاء في حالة استنزاف دائم دون أن تتآكل قدرات الدولة.
كان قلق الشرع ينبع أيضاً من تدويل الأزمة. بصفته مهندس الدبلوماسية السورية لسنوات، كان يدرك خطورة التدخلات الخارجية وتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وهو ما حذر منه مراراً، داعياً إلى "تسوية تاريخية" سورية-سورية.
مبادرة التسوية التاريخية وتأثيرها
حاول الشرع طرح مبادرة تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة، تضمن انتقالاً سياسياً آمناً يحفظ مؤسسات الدولة ويوقف نزيف الدم. كانت رؤيته تتطلب تنازلات مؤلمة من طرفي النزاع (النظام والمعارضة)، وهو ما جعله في عزلة تدريجية عن دائرة صنع القرار الضيقة التي كانت تؤمن بالحل العسكري فقط.
الأهمية والدروس المستفادة
تكمن أهمية استعادة مخاوف فاروق الشرع اليوم في كونها كانت قراءة استشرافية دقيقة لما آلت إليه الأمور. لقد أثبتت السنوات اللاحقة صحة مخاوفه؛ حيث لم يحقق أي طرف انتصاراً كاملاً وحاسماً بالمعنى السياسي، وتعرضت سوريا لدمار هائل وتدخلات خارجية معقدة. تظل رؤية الشرع وثيقة تاريخية تؤكد أن الحلول السياسية كانت ممكنة لو تم تغليب مصلحة الدولة العليا على منطق الغلبة العسكرية.


