مع استمرار العمليات العسكرية وتصاعد النقاشات السياسية حول ما بات يعرف بـ "اليوم التالي" للحرب، يبرز تساؤل جوهري حول مصير خطة نشر قوات دولية في قطاع غزة. هذا الطرح الذي يتم تداوله في الأروقة الدبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية مؤثرة، يواجه تعقيدات ميدانية وسياسية تجعل من تنفيذه تحدياً كبيراً، رغم كونه أحد الخيارات المطروحة لملء الفراغ الأمني والإداري المحتمل.
السياق العام والخلفية التاريخية
فكرة نشر قوات دولية أو متعددة الجنسيات في مناطق الصراع العربي الإسرائيلي ليست جديدة كلياً. فقد شهدت المنطقة سابقاً نشر قوات طوارئ دولية (UNEF) في سيناء، وقوات (UNIFIL) في جنوب لبنان التي لا تزال تعمل حتى اليوم بموجب القرار 1701. ومع ذلك، يختلف الوضع في غزة جذرياً نظراً للكثافة السكانية العالية، وطبيعة الاشتباك المعقدة، وغياب اتفاق سلام نهائي يحدد الحدود والسيادة بشكل قاطع.
تأتي المقترحات الحالية في ظل رغبة أمريكية ودولية في عدم عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر لإدارة الشؤون المدنية في القطاع، وفي الوقت نفسه، وجود رفض إسرائيلي لعودة الوضع الأمني لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر. هنا تبرز فكرة "قوة حفظ سلام" أو "قوة انتقالية" كحل وسط، قد تشارك فيها دول عربية وغربية لفترة محددة تمهيداً لتسليم السلطة لجهة فلسطينية مقبولة دولياً.
المواقف الدولية والإقليمية: شروط وعقبات
على الرغم من تداول الفكرة، إلا أن المواقف الإقليمية تشكل حجر الزاوية في نجاحها أو فشلها. الدول العربية المحورية، وتحديداً مصر والأردن، بالإضافة إلى دول الخليج، أبدت تحفظات واضحة. الموقف العربي العام يرفض المشاركة في أي قوات تدخل القطاع على ظهر الدبابات الإسرائيلية، ويشترط أن يكون أي تواجد أمني جزءاً من حل سياسي شامل يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة (حل الدولتين)، وليس مجرد حل أمني مؤقت يريح إسرائيل من أعباء إدارة القطاع.
من جانبها، تبدي إسرائيل تردداً تجاه القوات الدولية، حيث يصر قادتها العسكريون والسياسيون على الاحتفاظ بـ "حرية العمل الأمني" في غزة، مشككين في قدرة أي قوة دولية على منع تسلح الفصائل الفلسطينية مجدداً، مستشهدين بتجربة اليونيفيل في لبنان التي يعتبرونها غير كافية لضمان أمن الحدود الشمالية.
التأثير المتوقع والسيناريوهات المحتملة
إن نجاح تشكيل ونشر قوات دولية في غزة سيحمل تأثيرات عميقة محلياً وإقليمياً:
- على الصعيد المحلي: قد يساهم وجود قوات دولية في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، حيث ستشعر الدول المانحة بمان أكبر لضخ الأموال في مشاريع البنية التحتية.
- على الصعيد الإقليمي: قد يمهد هذا المسار لدمج السلطة الفلسطينية المتجددة في حكم غزة، مما يعزز الوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع، وهو مطلب دولي أساسي.
- دولياً: يعتبر هذا الاختبار حاسماً للدبلوماسية الأمريكية التي تسعى لترتيب أوراق المنطقة قبل الانتخابات، وضمان عدم اتساع رقعة الصراع.
في الختام، يبقى مصير خطة نشر القوات الدولية معلقاً بمدى قدرة الأطراف على التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، وبالتزام إسرائيل بمسار سياسي واضح، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل المعطيات الحالية، مما يجعل السيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات.


