في تطور لافت يكسر جموداً دام لسنوات طويلة، شهد القطاع المصرفي السوري حدثاً استثنائياً تمثل في إرسال أول رسالة عبر نظام «سويفت» (SWIFT) العالمي، وذلك بعد انقطاع استمر لنحو 14 عاماً نتيجة العقوبات الاقتصادية والظروف السياسية التي مرت بها البلاد. وتأتي هذه الخطوة كمؤشر أولي على احتمالية حدوث خرق في جدار العزلة المالية المفروضة على دمشق.
عودة تدريجية للربط المالي العالمي
يُعد هذا الحدث بمثابة اختبار عملي للقدرات التقنية واللوجستية للمصارف السورية في إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية. ونظام «سويفت» هو شريان الحياة للتحويلات المالية عبر الحدود، حيث يربط أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة. وتوقف هذا النظام في سورية منذ عام 2011 أدى إلى تعقيد العمليات التجارية، ودفع التجار والمواطنين للبحث عن قنوات بديلة ومكلفة، وغالباً ما تكون غير رسمية، لإتمام معاملاتهم الخارجية.
خلفية تاريخية: سنوات الحصار المالي
منذ اندلاع الأزمة السورية، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزماً متتالية من العقوبات الاقتصادية التي طالت البنك المركزي السوري وعدداً كبيراً من المصارف الخاصة والعامة. هذه العقوبات أدت إلى فصل سورية عن النظام المالي الدولي، مما جعل عملية استيراد المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، عملية معقدة للغاية وتخضع لرقابة صارمة وتكاليف وساطة مرتفعة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على التضخم وانهيار القوة الشرائية لليرة السورية.
الأهمية الاقتصادية والتأثير المتوقع
تحمل عودة التعامل بنظام «سويفت»، ولو بشكل جزئي أو تجريبي، دلالات اقتصادية هامة على عدة أصعدة:
- تسهيل التجارة الخارجية: سيمكن هذا الربط التجار من تحويل الأموال بشكل أسرع وأكثر أماناً، مما قد يقلل من تكاليف الاستيراد التي كانت تتضخم بسبب العمولات المرتفعة لشركات الصرافة والوسطاء في دول الجوار.
- تشجيع الاستثمار: يعتبر وجود نظام تحويل بنكي معترف به دولياً شرطاً أساسياً لأي مستثمر أجنبي أو عربي يفكر في الدخول إلى السوق السورية، خاصة في ظل الانفتاح العربي الأخير على دمشق.
- تحويلات المغتربين: قد يسهل هذا الأمر مستقبلاً تدفق تحويلات السوريين في الخارج عبر القنوات الرسمية، مما يرفد الخزينة العامة بالقطع الأجنبي بدلاً من تداوله في السوق السوداء.
سياق إقليمي وانفتاح سياسي
لا يمكن فصل هذا التطور التقني عن السياق السياسي الإقليمي، حيث شهدت الفترة الأخيرة عودة سورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وتحسناً في العلاقات الدبلوماسية مع عدد من الدول الإقليمية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة المصرفية قد تكون إحدى ثمار التفاهمات غير المعلنة لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية والاقتصادية، وإن كانت العقوبات الغربية، وتحديداً قانون «قيصر»، لا تزال تشكل عقبة رئيسية أمام التطبيع المالي الكامل.
في الختام، ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً أمام التعافي الكامل للقطاع المصرفي السوري، إلا أن نجاح أول رسالة «سويفت» يمثل خطوة رمزية وعملية نحو إعادة هيكلة العلاقات المالية لسورية مع العالم الخارجي.


