في خطوة دبلوماسية فارقة، شهدت مدينة جنيف السويسرية محادثات مكثفة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وحلفاء أوروبيين، أسفرت عن إدخال تعديلات جوهرية على المقترح الأمريكي الأولي لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. وقد رحب المسؤولون الأوروبيون بهذه التغييرات، معتبرين إياها “نجاحاً حاسماً” يضمن حماية المصالح الأمنية الأوروبية والأوكرانية بشكل أفضل، بعد أن أثارت الخطة الأولية مخاوف من كونها تميل لصالح موسكو.
خلفية الصراع والجهود الدبلوماسية
تأتي هذه المحادثات في سياق الصراع الممتد الذي بدأ فعلياً في عام 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ودعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وتصاعد بشكل كبير مع الغزو الشامل في فبراير 2022. وعلى مدار السنوات، بُذلت جهود دبلوماسية عديدة، أبرزها اتفاقيات مينسك، التي لم تنجح في تحقيق سلام دائم. ومع استمرار الحرب وتكلفتها البشرية والمادية الباهظة، تتجدد المساعي الدولية لإيجاد إطار عمل يمكن أن يؤدي إلى تسوية سياسية.
تفاصيل الخطة المعدلة ورؤى متباينة
كان المقترح الأمريكي الأولي، الذي قيل إنه يتألف من 28 نقطة، يدعو أوكرانيا إلى تقديم تنازلات إقليمية، وقبول قيود دائمة على حجم جيشها، والتخلي رسمياً عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذه الشروط اعتبرها الكثيرون في أوكرانيا وأوروبا بمثابة “استسلام” لا يعكس حقيقة الصمود والتضحيات على الأرض. رداً على ذلك، قدم الحلفاء الأوروبيون، الذين لم تتم استشارتهم في الصياغة الأولية، مقترحاً مضاداً يهدف إلى تحقيق توازن أفضل.
الخطة المعدلة، التي تم التوافق عليها في جنيف، حذفت البنود الأكثر إثارة للجدل. وأكد وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، أن “جميع القضايا المتعلقة بأوروبا وحلف الناتو قد حُذفت من الخطة، وهذا نجاح حاسم حققناه”. وأضاف أنه “كان واضحاً منذ البداية أنه لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق دون موافقة الأوروبيين والأوكرانيين”.
الأهمية والتأثيرات المتوقعة
تكمن أهمية هذه التعديلات في أنها تعيد تأكيد وحدة الموقف الغربي وتضع مصالح أوكرانيا في صلب أي تسوية مستقبلية. من أبرز ما تضمنته المقترحات الأوروبية الجديدة:
- ضمانات أمنية قوية: تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية لأوكرانيا شبيهة بالبند الخامس من ميثاق الناتو، ما يعني التزاماً بالدفاع عنها في حال تعرضها لهجوم مستقبلي.
- إعادة الإعمار: استخدام الأصول الروسية المجمدة للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا وتعويض الخسائر التي سببتها الحرب.
- رفض التنازلات المسبقة: تنص الخطة المعدلة على أن المفاوضات بشأن الأراضي يجب أن تبدأ من “خط التماس” الحالي، بدلاً من الاعتراف المسبق بسيطرة روسيا على مناطق معينة.
وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، التقدم المحرز بأنه “هائل”، معتبراً اليوم الأول من المحادثات “من أكثر الأيام إنتاجية” في مسار المفاوضات حتى الآن. ورغم التفاؤل الحذر، شدد الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستوب، على أنها “خطوة إلى الأمام”، لكنه نبه إلى أن “هناك قضايا رئيسية لم تُحل بعد”. ومن المقرر أن يستمر العمل على صياغة الاتفاق النهائي قبل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس دونالد ترامب، ليتم بعد ذلك عرضه على موسكو كقاعدة للتفاوض.


