spot_img

ذات صلة

انقلاب غينيا بيساو: اعتقال الرئيس وتفاصيل الأزمة

أفادت التقارير الواردة من العاصمة بيساو بوقوع تحركات عسكرية مكثفة انتهت بإعلان انقلاب عسكري واعتقال رئيس غينيا بيساو، في تطور دراماتيكي يعيد خلط الأوراق السياسية في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. ويأتي هذا الحدث ليزيد من حالة الغموض التي تكتنف المشهد السياسي في البلاد، وسط ترقب محلي ودولي لمآلات الأمور ومصير القيادة السياسية المحتجزة.

تاريخ حافل بالاضطرابات السياسية

لفهم سياق هذا الحدث، لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً، حيث عانت غينيا بيساو منذ استقلالها عن البرتغال عام 1974 من عدم الاستقرار المزمن. لم يكمل سوى رئيس واحد فقط فترة ولايته الكاملة في تاريخ البلاد، مما يعكس هشاشة المؤسسات الديمقراطية وسيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الحكم. لقد شهدت البلاد أربعة انقلابات ناجحة والعديد من المحاولات الفاشلة، بالإضافة إلى اغتيالات طالت رؤساء وقادة جيش، مما جعل الجيش لاعباً محورياً ومتحكماً رئيسياً في صناعة القرار السياسي.

الدوافع والخلفيات الاقتصادية والأمنية

يربط المراقبون بين تكرار الانقلابات العسكرية وبين الوضع الاقتصادي والأمني الهش في البلاد. تُصنف غينيا بيساو كواحدة من أفقر دول العالم، وتعاني من ضعف شديد في البنية التحتية والخدمات الأساسية. علاوة على ذلك، اكتسبت البلاد سمعة دولية كنقطة عبور رئيسية لتجارة المخدرات (خاصة الكوكايين) القادمة من أمريكا اللاتينية والمتجهة إلى أوروبا. هذا الموقع الاستراتيجي في تجارة الممنوعات أدى في كثير من الأحيان إلى اختراق المؤسسات العسكرية والأمنية من قبل شبكات الجريمة المنظمة، مما خلق صراعات نفوذ داخلية غالباً ما تترجم إلى تحركات عسكرية ضد السلطة المدنية.

تداعيات إقليمية ومواقف دولية

يحمل هذا الانقلاب تداعيات خطيرة تتجاوز حدود غينيا بيساو لتشمل منطقة غرب أفريقيا بأكملها. تعيش المنطقة بالفعل حالة من القلق بسبب “عدوى الانقلابات” التي شهدتها دول مجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تواجه السلطات العسكرية الجديدة ضغوطاً هائلة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس – CEDEAO)، التي تتبنى سياسة صارمة ضد التغييرات غير الدستورية للحكومات، وقد تلوح بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية قاسية لعزل النظام الجديد.

في الختام، يضع اعتقال الرئيس البلاد أمام مفترق طرق خطير؛ فإما أن تتجه نحو حوار وطني يعيد المسار الدستوري، أو تنزلق نحو عزلة دولية وفوضى داخلية قد تفاقم من معاناة الشعب الذي يرزح تحت وطأة الفقر وغياب الاستقرار.

spot_imgspot_img