في حكم قضائي جديد يعكس إصرار الأجهزة المعنية في مصر على ضبط المشهد الرقمي ومواجهة الانفلات الأخلاقي عبر منصات التواصل الاجتماعي، أسدلت محكمة جنح الاقتصادية بالقاهرة الستار على قضية اليوتيوبر والتيك توكر الشهير محمد عبد العاطي. حيث قضت المحكمة اليوم (السبت) بمعاقبته بالحبس لمدة سنتين مع الشغل، وتغريمه مبلغاً مالياً قدره 100 ألف جنيه، وذلك على خلفية إدانته ببث محتوى وُصف بأنه خادش للحياء العام ومخالف للقيم المجتمعية.
تفاصيل الحكم والاتهامات الموجهة
جاء هذا الحكم الرادع بعد سلسلة من التحقيقات التي أثبتت تورط المتهم في إدارة واستخدام حسابات على منصات «يوتيوب» و«تيك توك» لنشر مقاطع فيديو تتضمن ألفاظاً نابية وإيحاءات جنسية صريحة. ووفقاً لأوراق القضية، فقد أدار عبد العاطي قناة بعنوان «مع كامل احترامي» منذ ديسمبر 2022، والتي نجحت في جذب أكثر من 606 آلاف مشترك، وأنتج خلالها نحو 140 حلقة تم تصويرها في استوديو خاص يمتلكه شقيقه.
واستندت المحكمة في حيثيات حكمها إلى تقارير الفحص الفني وتفريغ المحتوى، التي أكدت أن الفيديوهات المنشورة تتضمن خروجاً فجاً عن الآداب العامة، وتعدياً صريحاً على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري، وهو ما يقع تحت طائلة القانون.
الدافع المادي واعترافات المتهم
كشفت التحقيقات أن المحرك الرئيسي وراء هذا المحتوى كان السعي وراء «التريند» وتحقيق الأرباح المالية السريعة. وقد أثبتت التحريات وجود أرصدة بنكية للمتهم بلغت نحو 818 ألف جنيه مصري، يُعتقد أنها متحصلات من عوائد المشاهدات والإعلانات. وخلال جلسات التحقيق، اعترف محمد عبد العاطي (30 عاماً) بإدارته للقناة، مبرراً أفعاله بأنه كان يهدف للتسلية والربح، قائلاً: «نشرت الفيديوهات عشان تحقيق الأرباح، ومقصدش المحتوى المسيء»، مشيراً إلى محاولته التمويه على بعض الألفاظ الخارجة باستخدام المؤثرات الصوتية.
السياق القانوني: قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
تأتي هذه القضية في سياق قانوني أوسع يتعلق بتطبيق الدولة المصرية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. هذا القانون الذي تم تشريعه لمواكبة التطورات التكنولوجية، منح السلطات الأدوات اللازمة لملاحقة الجرائم الإلكترونية، وخاصة تلك المتعلقة بالمادة 25 التي تجرم «الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري». وتعد قضية عبد العاطي حلقة في سلسلة من القضايا المماثلة التي طالت عدداً من مشاهير «تيك توك» في السنوات الأخيرة، مما يؤكد وجود منهجية قانونية ثابتة للتصدي لأي محتوى يُرى أنه يهدد السلم المجتمعي الأخلاقي.
تأثير الحكم ورسالة لصناع المحتوى
يحمل هذا الحكم دلالات هامة وتأثيراً متوقعاً على مشهد صناعة المحتوى في مصر. فعلى الصعيد المحلي، يرسل القضاء رسالة تحذيرية شديدة اللهجة لكافة المؤثرين وصناع المحتوى بأن الفضاء الإلكتروني ليس منطقة خالية من الرقابة القانونية، وأن السعي وراء الأرباح لا يبرر انتهاك القوانين أو خدش الحياء العام. ومن المتوقع أن يدفع هذا الحكم المنصات الرقمية والمبدعين إلى مراجعة محتواهم بشكل أكثر دقة لتجنب المساءلة القانونية، في ظل تزايد الرصد الأمني والمجتمعي للمخالفات الرقمية.
يُذكر أن القضية بدأت فصولها في أغسطس 2025، حينما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهم بعد رصد تداول واسع لمقاطعه المثيرة للجدل، وتقديم بلاغات من محامين وجهات رسمية تتهمه بالتحريض على الفسق، ليواجه بعدها سلسلة من قرارات تجديد الحبس حتى صدور الحكم الحالي.


