أصدرت السلطات المختصة في العراق قراراً حاسماً بإيقاف عرض أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة، وذلك على خلفية رصد مخالفات تضمنت ما وُصف بـ «المساس بالذات الإلهية»، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والشعبية. ويأتي هذا القرار استناداً إلى اللوائح التنظيمية التي تفرضها هيئة الإعلام والاتصالات، الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع البث والإرسال في البلاد.
تفاصيل القرار وحيثيات الإيقاف
جاء القرار بعد رصد دقيق لمحتوى الحلقات الأخيرة من البرنامج، حيث اعتبرت الجهات الرقابية أن بعض الفقرات تضمنت عبارات وإيحاءات تتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالقدسية الدينية. وأكدت الهيئة في سياق إجراءاتها أن حرية التعبير مكفولة دستورياً، لكنها مقيدة بعدم الإخلال بالنظام العام والآداب العامة، واحترام الرموز الدينية والمقدسات التي تشكل جزءاً جوهرياً من نسيج المجتمع العراقي.
السياق القانوني والرقابي في العراق
لفهم أبعاد هذا القرار، يجب النظر إلى الإطار القانوني الذي يحكم العمل الإعلامي في العراق. تستند هيئة الإعلام والاتصالات في قراراتها إلى لائحة قواعد البث الإعلامي، بالإضافة إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وتحديداً المادة 372 التي تجرم صراحة الاعتداء بإحدى طرق العلانية على معتقد لأحدى الطوائف الدينية أو تحقير شعائرها. وتعتبر هذه القوانين صارمة جداً فيما يتعلق بقضايا التجديف أو الإساءة للذات الإلهية والرموز الدينية، حيث تفرض عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة، فضلاً عن الإجراءات الإدارية كإيقاف البرامج أو إغلاق القنوات.
المشهد الإعلامي والخطوط الحمراء
يشهد المشهد الإعلامي العراقي منذ عام 2003 انفتاحاً كبيراً وتعدداً في القنوات والبرامج، إلا أن هذا الانفتاح يواجه دائماً تحديات تتعلق بحساسية المجتمع العراقي تجاه القضايا الدينية. وتلعب البرامج الحوارية والساخرة (التوك شو) دوراً كبيراً في نقد الواقع السياسي والاجتماعي، لكنها غالباً ما تصطدم بالجدار الديني والعقائدي. وتعد هذه الواقعة حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الهيئة سابقاً ضد برامج ومسلسلات اعتبرت مسيئة، مما يعكس حرص الدولة على ضبط الإيقاع الإعلامي بما لا يثير النعرات أو يمس بالمقدسات.
التأثير المتوقع وردود الفعل
من المتوقع أن يلقي هذا القرار بظلاله على سقف الحريات في البرامج التلفزيونية المقبلة، حيث سيدفع القنوات الفضائية إلى مراجعة دقيقة لمحتواها قبل البث لتجنب العقوبات. وعلى الصعيد الشعبي، غالباً ما تنقسم الآراء بين مؤيد لهذه القرارات باعتبارها ضرورة لحماية القيم الدينية، وبين معارض يرى فيها تضييقاً على حرية الإبداع والنقد. ومع ذلك، يظل الالتزام بالمعايير الأخلاقية والدينية شرطاً أساسياً لاستمرار العمل الإعلامي في البيئة العراقية المحافظة.


