spot_img

ذات صلة

الحكومة العراقية الجديدة: مخاض عسير وضغوط أمريكية

يعيش المشهد السياسي في العراق حالة من الترقب الحذر والجمود المستمر، حيث تواجه عملية تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة سلسلة من العقبات المعقدة التي تتجاوز الخلافات التقليدية بين الكتل السياسية لتصل إلى أبعاد إقليمية ودولية مؤثرة. ولم يعد خافياً أن ولادة أي حكومة جديدة في بغداد تتطلب مخاضاً عسيراً من التوافقات الهشة التي غالباً ما تصطدم بحقائق الواقع السياسي المتشظي والضغوط الخارجية، وفي مقدمتها الدور الأمريكي.

خلفية تاريخية: نظام المحاصصة وعقبة التوافق

منذ التغيير السياسي الذي شهده العراق عام 2003، أُرسيت قواعد نظام سياسي يعتمد بشكل أساسي على التوافق بين المكونات الرئيسية الثلاثة (الشيعة، السنة، والكرد). ورغم أن هذا النظام كان يهدف نظرياً إلى ضمان تمثيل الجميع، إلا أنه تحول عملياً إلى ما يُعرف بـ “نظام المحاصصة”، الذي جعل من تشكيل الحكومات عملية شاقة وطويلة الأمد. ففي كل دورة انتخابية، يدخل العراق في نفق الفراغ الدستوري لأشهر طويلة، بانتظار اتفاق الزعامات السياسية على توزيع المناصب السيادية والوزارات، وهو ما يعطل مصالح الدولة والمواطنين على حد سواء.

الضغوط الأمريكية: الاقتصاد والأمن كأوراق ضغط

لا يمكن قراءة المشهد العراقي بمعزل عن التأثير الأمريكي المباشر وغير المباشر. إذ تمارس واشنطن ضغوطاً ملحوظة لضمان تشكيل حكومة تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، أو على الأقل لا تكون معادية لها بشكل صريح. وتتمحور هذه الضغوط حول ملفات حيوية، أبرزها الملف الاقتصادي وسعر صرف الدولار، حيث يمتلك الفيدرالي الأمريكي نفوداً كبيراً على حركة الأموال العراقية. بالإضافة إلى ذلك، تلوح واشنطن بملف التعاون الأمني ومحاربة الإرهاب، واتفاقية الإطار الاستراتيجي، كأدوات لضبط إيقاع التشكيل الحكومي ومنع انزلاق العراق كلياً نحو المحور الإيراني، مما يزيد من تعقيد مهمة المكلفين بتشكيل الحكومة.

تداعيات التأخير على الواقع المحلي والإقليمي

إن استمرار حالة الانسداد السياسي وتأخر تشكيل الحكومة يلقي بظلاله القاتمة على الواقع العراقي الداخلي. فغياب حكومة كاملة الصلاحيات يعني تعطل إقرار الموازنة العامة، وتوقف المشاريع الاستثمارية، وتفاقم أزمات البطالة وتردي الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، مما يزيد من نقمة الشارع واحتمالية تجدد الاحتجاجات الشعبية. إقليمياً، يعتبر استقرار العراق ركيزة أساسية لأمن الشرق الأوسط؛ فالفراغ السياسي في بغداد قد يفتح الباب مجدداً لنشاط الجماعات المتطرفة، ويجعل الساحة العراقية ميدانًا مفتوحًا لتصفية الحسابات الإقليمية، وهو ما يخشاه المجتمع الدولي الذي يراقب بقلق مسار المفاوضات المتعثرة.

spot_imgspot_img