spot_img

ذات صلة

إسرائيل تصادر ساحة الحرم الإبراهيمي: تفاصيل التصعيد الجديد

في خطوة جديدة أثارت موجة من الغضب والاستنكار في الأوساط الفلسطينية والعربية، أصدرت السلطات الإسرائيلية قراراً يقضي بمصادرة واستملاك الساحة الداخلية للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية. ويأتي هذا القرار في سياق سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تغيير المعالم التاريخية والدينية للموقع، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على هذا المعلم الإسلامي المقدس.

ويعتبر هذا القرار جزءاً من مخطط أوسع بدأت ملامحه تتضح خلال السنوات الأخيرة، حيث تتذرع السلطات الإسرائيلية بـ “أسباب إنسانية” تتعلق بإنشاء مصعد ومسار خاص لتسهيل وصول المستوطنين إلى الحرم، إلا أن الجهات الفلسطينية، وعلى رأسها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تؤكد أن الهدف الحقيقي هو الاستيلاء على مساحات إضافية من أراضي الوقف الإسلامي وتغيير الوضع القائم (الستاتيكو) في الحرم.

خلفية تاريخية وصراع مستمر

لا يمكن فصل هذا القرار عن السياق التاريخي المؤلم الذي عاشته مدينة الخليل، وتحديداً الحرم الإبراهيمي. فمنذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، التي نفذها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين وراح ضحيتها 29 مصلياً فلسطينياً، فرضت إسرائيل تقسيماً زمانياً ومكانياً قسرياً على الحرم. وقد أدى هذا التقسيم إلى تخصيص جزء كبير من المسجد للمستوطنين اليهود، مع فرض قيود مشددة على دخول المسلمين ورفع الآذان في كثير من الأوقات.

ويكتسب الحرم الإبراهيمي أهمية دينية وتاريخية استثنائية، حيث يُعتقد أنه يضم قبور الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وزوجاتهم، مما يجعله رابع أقدس موقع في الإسلام وثاني أقدس موقع في اليهودية. هذه القدسية جعلت منه بؤرة توتر دائم وساحة للصراع على الهوية والسيادة في قلب مدينة الخليل القديمة.

انتهاك للقانون الدولي وقرارات اليونسكو

يأتي قرار المصادرة هذا في تحدٍ واضح للقرارات الدولية، وتحديداً قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الصادر في يوليو 2017، الذي أدرج البلدة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، مؤكداً على هويتها الفلسطينية الخالصة. وبموجب هذا الإدراج، يُمنع إجراء أي تغييرات على المعالم التاريخية للموقع دون موافقة الجهات الدولية المختصة، وهو ما تتجاوزه إسرائيل بقراراتها الأحادية.

تداعيات القرار ومخاطر التصعيد

من المتوقع أن يكون لهذا القرار تداعيات خطيرة على المستويين المحلي والإقليمي. فلسطينياً، يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها “لعباً بالنار” قد يؤدي إلى تفجير الأوضاع الأمنية، ليس في الخليل فحسب، بل في عموم الأراضي الفلسطينية، نظراً للحساسية الدينية المفرطة للموقع. كما أن استمرار سياسة قضم الأراضي والمقدسات يقوض أي فرص للتهدئة ويعزز حالة الاحتقان الشعبي.

ختاماً، فإن استملاك الساحة الداخلية للحرم الإبراهيمي لا يعد مجرد إجراء إداري أو هندسي، بل هو خطوة سياسية بامتياز تهدف إلى ترسيخ السيادة الإسرائيلية الكاملة على الموقع، وطمس هويته الإسلامية والعربية، مما يستدعي تحركاً دبلوماسياً وقانونياً واسعاً لوقف هذه الانتهاكات وحماية التراث الإنساني والديني في فلسطين.

spot_imgspot_img