شهدت محافظة السويداء جنوبي سوريا حادثة أمنية جديدة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية، تمثلت في مقتل رجل دين عقب فترة قصيرة من اعتقاله واحتجازه من قبل عناصر ومجموعات محلية محسوبة على الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، وتحديداً الشيخ حكمت الهجري. وتأتي هذه الحادثة لتصب الزيت على نار التوترات الأمنية التي تعيشها المحافظة منذ سنوات.
تفاصيل الحادثة والغموض المحيط بها
أفادت مصادر محلية متطابقة بالعثور على جثة رجل الدين وعليها آثار تشير إلى تعرضه لظروف قاسية خلال فترة احتجازه. وكانت مجموعات محلية تابعة لـ «دار الرئاسة الروحية» قد قامت باحتجاز الضحية في وقت سابق، وسط اتهامات لم يتم البت فيها قضائياً بشكل رسمي، وهو ما يعكس حالة الفوضى في إجراءات التقاضي والمحاسبة في المنطقة. وقد أثار نبأ الوفاة حالة من الاحتقان، وسط مطالبات بضرورة توضيح ملابسات الوفاة وما إذا كانت ناتجة عن تعذيب أو ظروف صحية طارئة، وضرورة الاحتكام إلى لغة القانون بدلاً من التصرفات الفردية.
السياق العام: الفلتان الأمني في السويداء
لا يمكن فصل هذه الحادثة عن السياق العام الذي تعيشه محافظة السويداء منذ عام 2011، حيث تعاني المنطقة من حالة «فلتان أمني» مزمن. تراجع دور أجهزة الشرطة والقضاء التابعة للنظام السوري بشكل ملحوظ، مما أفسح المجال لظهور فصائل محلية مسلحة، بعضها يتبع لمرجعيات دينية واجتماعية، والبعض الآخر يعمل كعصابات للخطف والتهريب. هذا الفراغ الأمني دفع بالعديد من الجهات المحلية لمحاولة لعب دور «الضابطة العدلية»، مما يؤدي غالباً إلى تجاوزات خطيرة وانتهاكات لحقوق الإنسان تحت ذريعة حفظ الأمن.
دور الرئاسة الروحية والشيخ حكمت الهجري
يُعتبر الشيخ حكمت الهجري أحد أبرز الزعماء الروحيين في السويداء، وقد لعب دوراً محورياً في الحراك الشعبي الأخير المناهض للسياسات الحكومية وتدهور الأوضاع المعيشية. وتلجأ العديد من العائلات إلى «مضافة» الهجري لحل النزاعات أو الشكوى من الفساد والعصابات. إلا أن الحادثة الأخيرة تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة المرجعيات الدينية على ضبط سلوك العناصر المسلحة المحسوبة عليها، وخطورة تحول هذه المجموعات إلى سلطة تنفيذية وقضائية في آن واحد دون رقابة قانونية.
التداعيات المحتملة وتأثير الحادثة
من المتوقع أن تلقي هذه الحادثة بظلالها على المشهد الداخلي في السويداء، حيث يخشى مراقبون من:
- تأجيج الخلافات العائلية: قد تؤدي مثل هذه الحوادث إلى عمليات ثأرية بين العائلات، مما يهدد السلم الأهلي الهش في المحافظة.
- إضعاف الحراك السلمي: قد يستغل النظام السوري أو أطراف أخرى هذه التجاوزات لتشويه صورة الحراك الشعبي في السويداء ووصمه بالفوضى والإرهاب.
- تزايد الانقسام الداخلي: قد يؤدي ذلك إلى انقسام في الشارع المحلي حول جدوى الاعتماد على الفصائل المحلية كبديل عن مؤسسات الدولة الغائبة.
في الختام، تبقى حادثة مقتل رجل الدين مؤشراً خطيراً على ضرورة إيجاد حلول جذرية للواقع الأمني والقضائي في السويداء، بعيداً عن لغة السلاح والتصفيات الميدانية التي لا تزيد المشهد إلا تعقيداً.


