تنطلق اليوم الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، والتي تهدف إلى ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها، وذلك في مقر قيادة قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) في منطقة الناقورة الحدودية جنوبي لبنان. وتأتي هذه الجولة استكمالاً للاجتماع الافتتاحي الذي عقد سابقاً، وسط ترقب محلي ودولي لمآلات هذه المحادثات التي تجري برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية فاعلة.
طبيعة الوفد المشارك والبعد التقني
ما يميز هذه الجولة هو التركيز على الجانب التقني والقانوني، حيث يضم الوفد اللبناني، إلى جانب الضباط العسكريين، خبراء مدنيين ومتخصصين في مجالات الخرائط والقانون الدولي والجيولوجيا. ويأتي إشراك المدنيين والخبراء التقنيين لتعزيز الموقف التفاوضي بالأدلة والوثائق والخرائط التي تثبت حق لبنان في مياهه الاقتصادية الخالصة. وتصر الدولة اللبنانية على حصر المفاوضات في إطارها التقني والعسكري البحت، قاطعة الطريق أمام أي تأويلات سياسية قد تشير إلى تطبيع العلاقات، حيث يتم تبادل الرسائل عبر الوسيط الأمريكي وممثل الأمم المتحدة دون حديث مباشر بين الوفدين.
خلفية النزاع وتاريخ المفاوضات
يعود أصل النزاع الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل إلى سنوات مضت، حيث يتنازع الطرفان على مساحة بحرية تبلغ حوالي 860 كيلومتراً مربعاً، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية المحتملة من نفط وغاز. وقد تطور الموقف اللبناني مؤخراً ليستند إلى دراسات قانونية وهيدروغرافية تشير إلى إمكانية توسيع المطالب اللبنانية لتشمل مساحات إضافية تتجاوز المساحة المذكورة سابقاً، مما يرفع سقف التفاوض.
وقد مرت هذه القضية بمحطات عديدة، بدءاً من “خط هوف” الذي اقترحته الولايات المتحدة سابقاً، وصولاً إلى اتفاق الإطار الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب اللبناني، والذي مهد الطريق لانطلاق هذه الجولات التفاوضية في الناقورة.
الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية
تكتسب هذه المحادثات أهمية قصوى بالنسبة للبنان الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث. حيث يعول اللبنانيون على نجاح عملية الترسيم لتمكين الشركات العالمية من بدء عمليات التنقيب والاستخراج في البلوكات النفطية الحدودية (لا سيما البلوك رقم 9)، مما قد يوفر عائدات مالية ضخمة تساهم في انتشال البلاد من كبوتها الاقتصادية.
على الصعيد الإقليمي والدولي، تدفع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نحو إنجاز هذا الاتفاق لضمان الاستقرار الأمني في منطقة شرق المتوسط، وتأمين تدفق إمدادات الطاقة، وتجنب أي تصعيد عسكري قد يهدد أمن المنطقة بأسرها. إن نجاح هذه الجولة وما يليها من جولات قد يرسم ملامح جديدة لمستقبل الطاقة في الشرق الأوسط.


