في خطوة تجمع بين التحدي السياسي والسخرية الشخصية، أشعل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو منصات التواصل الاجتماعي بنشره مقطع فيديو يظهره وهو يرقص بحماس على أنغام أغنية “No a la Guerra, Sí a la Paz” (لا للحرب، نعم للسلام). جاء هذا المشهد خلال تجمع حزبي حاشد في العاصمة كراكاس، حيث تفاعل معه أنصاره بحماس، رافعين لافتات تندد بـ”الإمبريالية الأمريكية” وتؤكد على السلام. الفيديو، الذي انتشر كالنار في الهشيم، فُسّر على نطاق واسع بأنه رد مباشر ومدروس على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف هو الآخر برقصاته العفوية في تجمعاته الانتخابية، والتي أصبحت جزءاً من علامته السياسية.
يأتي هذا الرد الراقص في سياق تاريخي طويل من التوتر بين فنزويلا والولايات المتحدة، وهي علاقة تدهورت بشكل حاد منذ وصول هوغو تشافيز إلى السلطة واستمرت في عهد خلفه مادورو. لطالما اتهمت واشنطن كراكاس بتقويض الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان والفساد، وفرضت على إثرها سلسلة من العقوبات الاقتصادية الشديدة التي استهدفت شل قطاع النفط، شريان الحياة للاقتصاد الفنزويلي، بالإضافة إلى عقوبات طالت مسؤولين حكوميين بارزين. وتعتبر هذه المواجهة الأخيرة حلقة جديدة في مسلسل طويل من الضغوط الأمريكية التي تهدف إلى إحداث تغيير سياسي في الدولة اللاتينية.
جاءت رقصة مادورو بعد يومين فقط من تصريحات نارية لترامب، الذي وصف فيها نظيره الفنزويلي بـ”الديكتاتور الذي يدمر شعبه”، معلناً عن حزمة عقوبات جديدة تستهدف شركات نفطية فنزويلية. هذه العقوبات تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي شهدت، بحسب التقارير، وصول معدلات التضخم إلى 150% في عام 2025، مع انخفاض حاد في إنتاج النفط بنسبة 20%. وفي هذا المناخ المشحون، يُظهر مادورو، البالغ من العمر 62 عاماً، نفسه وهو يهز كتفيه ويلوح بيديه، مردداً بصوت عالٍ “لا للحرب.. نعم للسلام”، في رسالة تهدف إلى تصوير نفسه كداعية سلام في مواجهة “عدوانية” ترامب.
وقد أثار هذا التصرف ردود فعل متباينة. فبينما احتفى به أنصاره واعتبروه “رسالة سلام ساخرة” ورمزاً للصمود في وجه الهيمنة الأمريكية، انتقده معارضوه بشدة. المعارضة البارزة ماريا كورينا ماتشادو اتهمته بـ”الاستهتار بمعاناة الشعب الذي يجوع”. وعزز مادورو رسالته عبر تغريدة على منصة تويتر قائلاً: “ترامب يرقص للحرب.. أنا أرقص للسلام.. الفنزويليون يختارون الحياة!”. على الصعيد الدولي، يعكس هذا الحدث الاستقطاب الحاد حول فنزويلا؛ فبينما تدعم دول مثل روسيا والصين وإيران حكومة مادورو، تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في الضغط من أجل عزله، مما يجعل أي بادرة، حتى لو كانت رقصة، تحمل أبعاداً جيوسياسية عميقة وتؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.


