في خطوة استراتيجية تعيد رسم خريطة التحالفات التجارية في أمريكا الشمالية، صادق مجلس الشيوخ المكسيكي، مساء الأربعاء، رسمياً على مشروع قانون يقضي برفع الرسوم الجمركية بنسب تصل إلى 50% على مئات المنتجات المستوردة من الصين ودول آسيوية أخرى لا تربطها بالمكسيك اتفاقيات تجارة حرة. ومن المقرر أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ مطلع عام 2026، مما يمثل تحولاً جذرياً في السياسة الاقتصادية المكسيكية.
تفاصيل القرار والقطاعات المستهدفة
حصل التشريع الجديد على دعم واسع داخل أروقة البرلمان، حيث وافق عليه 76 عضاً مقابل رفض 5 أصوات فقط وامتناع 35 عن التصويت، وذلك بعد إقراره سابقاً في مجلس النواب. ويستهدف هذا التعديل الجذري نحو 1400 بند جمركي، تشمل قطاعات حيوية وحساسة مثل المنسوجات، الملابس، الحديد والصلب، قطع غيار السيارات، البلاستيك، والأحذية.
ووفقاً للنص القانوني، ستتراوح التعريفة الجديدة على أغلب هذه المنتجات بين 20% و35%، بينما سيتم تطبيق السقف الأقصى البالغ 50% على سلع استراتيجية محددة، أبرزها السيارات وقطع غيارها، في محاولة لكبح جماح المنافسة الآسيوية في هذا القطاع الحيوي.
سياق جيوسياسي: ضغوط أمريكية واتفاقية USMCA
لا يمكن قراءة هذا القرار بمعزل عن المشهد الجيوسياسي الأوسع؛ إذ يرى مراقبون اقتصاديون أن هذه الخطوة تأتي استجابة لضغوط متزايدة من واشنطن. تسعى الولايات المتحدة لإغلاق ما تصفه بـ «الباب الخلفي» الذي تستخدمه الصين لإدخال بضائعها إلى السوق الأمريكية عبر المكسيك معفاة من الجمارك.
وتأتي هذه التحركات الاستباقية من جانب مكسيكو سيتي لتهدئة المخاوف الأمريكية والكندية قبل المراجعة المرتقبة لاتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية (USMCA) في عام 2026. وتخشى المكسيك أن يؤدي التدفق غير المقيد للسلع الصينية إلى تعريض مكانتها المميزة في هذه الاتفاقية للخطر، خاصة مع توجه واشنطن نحو سياسات «نيرشورينغ» (Nearshoring) أو تقريب سلاسل التوريد.
غضب في بكين وترحيب محلي
أثار القرار ردود فعل غاضبة فورية من الجانب الصيني؛ حيث أعربت وزارة التجارة الصينية عن «معارضتها الشديدة»، واصفة الإجراء بأنه ممارسة حمائية أحادية الجانب ستضر بمصالح الشركات الصينية وسلاسل التوريد العالمية. وأكدت بكين أنها ستتابع عن كثب الآثار المترتبة على هذا النظام الجمركي الجديد.
في المقابل، دافع حزب «مورينا» الحاكم في المكسيك عن القرار، معتبراً إياه ضرورة وطنية. وصرح النائب إيمانويل رييس، رئيس لجنة الاقتصاد في مجلس الشيوخ، بأن التعديلات تهدف لتعزيز مكانة المنتج المكسيكي وحماية عشرات الآلاف من فرص العمل، وليس مجرد جباية للأموال.
توقعات مالية واقتصادية
على الصعيد المالي، يتوقع المحللون أن يرفد هذا القرار الخزينة المكسيكية بنحو 3.76 مليار دولار إضافية في العام المقبل، مما سيساهم في تقليص العجز المالي. ومع ذلك، تبقى النسخة المصادق عليها أقل حدة من المقترحات الأولية التي طرحت في الخريف، حيث تم تخفيض الرسوم على ثلثي البنود لتجنب صدمات تضخمية حادة في السوق المحلية.


