spot_img

ذات صلة

موسكو تتهم الناتو بتقويض التسوية السلمية في أوكرانيا

جددت موسكو اتهاماتها لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بالسعي المتعمد لتقويض أي فرص حقيقية للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة في أوكرانيا، مشيرة إلى أن استمرار الدعم العسكري الغربي لكييف يهدف بالأساس إلى إطالة أمد الصراع واستنزاف القدرات الروسية بدلاً من البحث عن حلول دبلوماسية ناجعة.

وتأتي هذه التصريحات في سياق تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، حيث ترى القيادة الروسية أن تدفق الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الدبابات والصواريخ بعيدة المدى، وتوفير المعلومات الاستخباراتية للجيش الأوكراني، يجعل من دول الحلف طرفاً مباشراً في النزاع، مما يعقد المشهد الميداني والسياسي ويغلق الأبواب أمام طاولات المفاوضات.

السياق العام والخلفية التاريخية للصراع

لفهم الموقف الروسي الحالي، لا بد من العودة إلى جذور الأزمة التي لم تبدأ في فبراير 2022 فحسب، بل تمتد لسنوات سابقة. لطالما اعتبرت موسكو أن توسع حلف الناتو شرقاً نحو حدودها يشكل تهديداً وجودياً لأمنها القومي. وكانت روسيا قد قدمت قبل اندلاع الحرب مقترحات لضمانات أمنية تطلب فيها عدم انضمام أوكرانيا للحلف، إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض من قبل واشنطن وبروكسل، اللتين تمسكتا بمبدأ «الباب المفتوح» للحلف.

كما يشير المراقبون إلى أن انهيار اتفاقيات «مينسك»، التي كانت تهدف لحل النزاع في إقليم دونباس سلمياً، ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة. وترى موسكو أن الغرب لم يضغط على كييف لتنفيذ بنود تلك الاتفاقيات، بل استخدم الوقت لتسليح أوكرانيا وتدريب جيشها وفقاً لمعايير الناتو، وهو ما تعتبره روسيا دليلاً على النوايا المبيتة للمواجهة.

تأثير التدخل الغربي على مسار التسوية

يرى المحللون السياسيون أن استراتيجية الناتو الحالية، المتمثلة في دعم أوكرانيا «مهما استغرق الأمر»، قد حولت الصراع من نزاع حدودي إقليمي إلى حرب بالوكالة ذات أبعاد عالمية. هذا الدعم المستمر يعزز قناعة الكرملين بأن الهدف الغربي ليس حماية سيادة أوكرانيا فحسب، بل إضعاف روسيا جيوسياسياً واقتصادياً.

على الصعيد الدولي، أدى هذا الاستقطاب إلى شلل شبه تام في القنوات الدبلوماسية التقليدية. فالمبادرات التي طرحتها بعض الدول للوساطة غالباً ما تصطدم بجدار الشروط المسبقة من كلا الطرفين، حيث تصر موسكو على الاعتراف بـ «الواقع الإقليمي الجديد»، بينما تصر كييف، مدعومة من الناتو، على استعادة كامل أراضيها.

التداعيات الإقليمية والدولية

إن استمرار حالة الجمود السياسي وتقويض فرص التسوية يحمل تداعيات خطيرة تتجاوز حدود أوروبا الشرقية. فقد تسبب الصراع في أزمات طاقة وغذاء عالمية، وأعاد تشكيل التحالفات الدولية، دافعاً روسيا نحو تعزيز علاقاتها مع قوى شرقية مثل الصين والهند. كما أن غياب أفق الحل السياسي يزيد من مخاطر الانزلاق نحو مواجهة مباشرة غير محسوبة بين القوى النووية الكبرى، وهو السيناريو الذي يحذر منه الخبراء الاستراتيجيون باستمرار.

في الختام، تظل الرؤية الروسية متمسكة بأن السلام لن يتحقق إلا بوقف ما تصفه بـ «عسكرة أوكرانيا» وضمان حيادها، بينما يرى الناتو أن دعم كييف هو السبيل الوحيد لردع العدوان وضمان الأمن الأوروبي، وبين هذين الموقفين المتناقضين، تظل التسوية السياسية بعيدة المنال في الوقت الراهن.

spot_imgspot_img