في تطور درامي يمزج بين الأمل والألم، تمكن 50 تلميذاً من بين 303 تم اختطافهم مؤخراً من مدرسة ابتدائية في ولاية نيجر بشمال وسط نيجيريا، من الفرار من قبضة خاطفيهم والعودة إلى أحضان أسرهم. هذا الخبر، الذي أكده مسؤولون محليون، أشعل بارقة أمل في قلوب مئات الأسر المنكوبة، لكنه في الوقت ذاته يلقي بظلال كثيفة على الأزمة الأمنية المتصاعدة التي تعصف بالبلاد.
وفقاً لتصريحات أمينو إسحاق، الحاكم المحلي لمنطقة كوريغا، فإن الأطفال الشجعان استغلوا لحظة غفلة من حراسهم في الأدغال وهربوا ليلاً، حيث ساروا لساعات طويلة حتى وصلوا إلى قرى مجاورة ساعدهم سكانها. وأضاف: «تلقينا تأكيدات من الأجهزة الأمنية والأسر أن 50 طفلاً عادوا إلى منازلهم». وقد وقع الهجوم فجر يوم الجمعة عندما اقتحم مسلحون يستقلون دراجات نارية مدرسة «ساليسو إبراهيم الكاثوليكية» الابتدائية في بلدة كوريغا، وخطفوا 303 تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 8 و15 عاماً، في واحدة من أكبر عمليات الاختطاف الجماعي التي تشهدها نيجيريا منذ سنوات.
سياق تاريخي لأزمة الاختطاف في المدارس
هذا الحادث المروع ليس الأول من نوعه، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة ومؤلمة من الهجمات على المؤسسات التعليمية في نيجيريا. تعود هذه الظاهرة إلى الواجهة العالمية بشكل كبير في عام 2014 مع اختطاف جماعة بوكو حرام الجهادية لأكثر من 270 تلميذة من بلدة تشيبوك، وهي الحادثة التي أثارت غضباً دولياً واسعاً وأطلقت حملة #BringBackOurGirls. ورغم أن دوافع بوكو حرام كانت أيديولوجية بالأساس، حيث تعارض الجماعة التعليم الغربي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور نمط مختلف من الجريمة.
ففي شمال غرب ووسط نيجيريا، تنشط عصابات إجرامية محلية تُعرف باسم «قطاع الطرق» (Bandits)، والتي تتخذ من الاختطاف من أجل الفدية صناعة مربحة. تستهدف هذه العصابات المدارس والقرى والطرق السريعة، وتطالب بفدى مالية ضخمة مقابل إطلاق سراح الرهائن. ويعتقد أن هؤلاء هم المسؤولون عن هجوم كوريغا الأخير، حيث لا يزال 253 تلميذاً و12 معلماً في عداد المفقودين.
التأثيرات المحلية والدولية
على الصعيد المحلي، تسببت هذه الهجمات في إغلاق مئات المدارس وحرمان آلاف الأطفال من حقهم في التعليم، مما يهدد مستقبل جيل بأكمله. كما أنها تؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في قدرة الحكومة على توفير الأمن الأساسي. وقد تعهد حاكم ولاية نيجر، محمد عمر باجو، بـ«تكثيف العمليات العسكرية في الغابات وملاحقة العصابات حتى تحرير آخر طفل»، مؤكداً أن عودة الـ50 تلميذاً ستمنح السلطات دفعة قوية لاستكمال المهمة.
دولياً، تثير هذه الحوادث قلق المنظمات الحقوقية والإنسانية مثل اليونيسف، التي تدين استهداف الأطفال والمدارس وتدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لحمايتهم. كما تضع هذه الأزمة الحكومة النيجيرية تحت ضغط متزايد لإيجاد حلول جذرية للتحديات الأمنية المعقدة التي تواجهها، والتي تتراوح بين التمرد الجهادي في الشمال الشرقي والعنف العرقي والجرائم المنظمة في مناطق أخرى. وبينما تحتفل 50 عائلة بعودة أبنائها، تبقى مئات العائلات الأخرى تعيش في قلق ورعب، متشبثة بالأمل في أن يعود أحباؤها سالمين.


