شهدت قاعة مجلس الشيوخ الأسترالي واقعة مثيرة للجدل، حيث قامت السيناتور اليمينية المتطرفة، بولين هانسون، زعيمة حزب “أمة واحدة” (One Nation)، بالدخول إلى القاعة وهي ترتدي النقاب (البرقع) الأسود الكامل، في خطوة استعراضية تهدف إلى المطالبة بحظره في البلاد لأسباب زعمت أنها تتعلق بالأمن القومي.
وجلست هانسون في مقعدها لمدة تقارب العشرين دقيقة وهي تغطي وجهها بالكامل، وسط ذهول وصدمة من زملائها النواب، قبل أن تقوم بخلع النقاب للكشف عن هويتها ومهاجمة الزي الإسلامي. وقد بررت هانسون تصرفها هذا بأنه محاولة لإثبات أن ارتداء أغطية الوجه الكاملة يشكل تهديداً أمنياً، مطالبة الحكومة بحظر ارتدائه في الأماكن العامة والمباني الحكومية.
رد فعل حكومي حازم وتوبيخ رسمي
لم يمر تصرف هانسون مرور الكرام، حيث واجهت توبيخاً شديد اللهجة من المدعي العام الأسترالي آنذاك، جورج برانديس. وفي مشهد مؤثر نال تصفيقاً حاراً من أعضاء المعارضة والحكومة على حد سواء، وقف برانديس ليعلن رفضه القاطع لما قامت به هانسون، محذراً من مغبة الإساءة إلى الجالية المسلمة في أستراليا.
وقال برانديس موجهاً كلامه لهانسون: “لا يا سيناتور هانسون، لن نقوم بحظر البرقع”. وأضاف بصوت متهدج بالعاطفة أن تصرفها هذا يعد “حيلة رخيصة” تهدف إلى السخرية من معتقدات دينية لمجموعة من المواطنين الأستراليين، مؤكداً أن الحفاظ على الأمن لا يتطلب التعدي على الحريات الدينية أو إهانة مشاعر المسلمين الذين يتعاونون بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية.
السياق السياسي والخلفية التاريخية
لفهم هذا الحدث، يجب النظر إلى تاريخ بولين هانسون السياسي، التي عرفت منذ تسعينيات القرن الماضي بمواقفها المناهضة للهجرة. ففي بداياتها، ركزت هجومها على الهجرة الآسيوية، قبل أن تحول بوصلة عدائها في السنوات الأخيرة نحو المسلمين والإسلام، مستغلة تصاعد موجات اليمين الشعبوي عالمياً.
ويأتي هذا الحدث في سياق نقاش أوسع تشهده الدول الغربية حول الموازنة بين الحريات الشخصية والدينية وبين المتطلبات الأمنية. ورغم أن بعض الدول الأوروبية قد فرضت قيوداً على ارتداء النقاب، إلا أن أستراليا تفتخر بكونها مجتمعاً متعدد الثقافات، حيث يُنظر إلى مثل هذه الدعوات على أنها تهديد للنسيج الاجتماعي والتعايش السلمي.
تأثير الواقعة محلياً ودولياً
أثار هذا الحدث ردود فعل واسعة النطاق تجاوزت الحدود الأسترالية، حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية الخبر كدليل على التوتر المتصاعد الذي يغذيه اليمين المتطرف. محلياً، أدى تصرف هانسون إلى نتائج عكسية لما أرادته؛ فبدلاً من حشد الدعم لحظر النقاب، توحدت الأحزاب السياسية الرئيسية (العمال والأحرار والخضر) في إدانة سلوكها، مما عزز من الخطاب الرسمي الداعم للتعددية الثقافية ونبذ الكراهية.


