أكدت قيادة حزب العمال الكردستاني (PKK) موقفها الثابت والنهائي بشأن مسار الصراع القائم، مشددة على أنه لا يمكن اتخاذ أي خطوات جديدة أو الدخول في مسارات تفاوضية دون تحقيق شرط أساسي يتمثل في الإفراج عن زعيم الحزب المؤسس، عبد الله أوجلان. ويأتي هذا التصريح ليقطع الطريق أمام أي تكهنات حول إمكانية تقديم تنازلات أو مبادرات أحادية الجانب في ظل استمرار ما تصفه الحركة بـ «العزلة المشددة» المفروضة على أوجلان في سجنه.
سياق العزلة وسجن إمرالي
يقبع عبد الله أوجلان في سجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة منذ اعتقاله في عملية استخباراتية دولية عام 1999. ومنذ ذلك الحين، تحول أوجلان إلى رمز مركزي للحركة الكردية، حيث يعتبر أنصاره أن حريته الجسدية هي المفتاح الوحيد لحل القضية الكردية في تركيا. وتشتكي المنظمات الحقوقية والمحامون الموكلون بالدفاع عنه من صعوبة الوصول إليه، حيث تفرض السلطات التركية قيوداً صارمة على الزيارات العائلية والقانونية، وهو ما يطلق عليه الحزب مصطلح «العزلة»، معتبراً إياها عقبة كأداء أمام أي حل سياسي.
الخلفية التاريخية للصراع
يعود الصراع المسلح بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية إلى عام 1984، وقد خلف هذا النزاع المستمر منذ عقود عشرات الآلاف من القتلى وتسبب في تهجير مئات الآلاف من القرى في جنوب شرق تركيا. وعلى الرغم من تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يزال يتمتع بنفوذ واسع وقاعدة شعبية صلبة، مما يجعل تجاهل دوره في أي معادلة سياسية أمراً صعباً. وقد شهدت الفترة بين عامي 2013 و2015 محاولة جدية للسلام عرفت بـ «عملية الحل»، حيث لعب أوجلان دوراً محورياً من سجنه في توجيه الرسائل والدعوة لوقف إطلاق النار، إلا أن انهيار تلك العملية أعاد الصراع إلى مربعه الأول وبوتيرة أشد عنفاً.
الأهمية السياسية وتأثير القرار
يحمل اشتراط الإفراج عن أوجلان دلالات سياسية عميقة، فهو ينقل سقف المطالب من مجرد «تحسين ظروف السجن» أو «السماح بالزيارات» إلى المطالبة بـ «الحرية الجسدية» الكاملة. ويرى مراقبون للشأن التركي والإقليمي أن هذا الموقف يعقد المشهد السياسي الداخلي في تركيا، خاصة في ظل التجاذبات الحزبية الحالية. كما أن لهذا الموقف ارتدادات إقليمية تتجاوز الحدود التركية، لتشمل شمال العراق حيث تتواجد قواعد للحزب، وشمال شرق سوريا حيث تعتبر الإدارة الذاتية أوجلان مرجعية فكرية لها.
في الختام، يبدو أن الأفق السياسي لحل هذا الصراع المزمن لا يزال مسدوداً في ظل تمسك كل طرف بمواقفه؛ فبينما تصر أنقرة على الحسم العسكري وتفكيك الحزب، يربط العمال الكردستاني أي تقدم بمصير زعيمه التاريخي، مما ينذر باستمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة لفترة أطول.


