أثار العنوان الذي تصدر المشهد السياسي مؤخراً حول تقدم جهات رسمية أو قانونية بطلب للعفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، موجة واسعة من التساؤلات والجدل في الأوساط السياسية والقانونية داخل إسرائيل وخارجها. وتأتي هذه الخطوة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تواجه الدولة انقسامات داخلية حادة وتحديات أمنية إقليمية، مما يجعل من قرار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ محط أنظار العالم.
خلفية القضايا: ملفات الفساد التي تلاحق نتنياهو
لفهم سياق طلب العفو، لا بد من العودة إلى أصل الأزمة القانونية التي تعصف بمستقبل نتنياهو السياسي. يواجه رئيس الوزراء تهماً خطيرة في ثلاث قضايا رئيسية تُعرف إعلامياً بـ “الملف 1000″ و”الملف 2000″ و”الملف 4000”. تتضمن هذه الملفات اتهامات بالرشوة، والاحتيال، وخيانة الأمانة. في الملف 1000، يُتهم نتنياهو بتلقي هدايا فاخرة من رجال أعمال مقابل خدمات سياسية. أما الملف 2000، فيتعلق بمحاولات مزعومة للتوصل إلى صفقة مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” للحصول على تغطية إيجابية. وتعتبر القضية 4000 الأخطر، حيث تتصل بتقديم تسهيلات تنظيمية لشركة اتصالات كبرى مقابل تغطية إعلامية داعمة في موقع “واللا” الإخباري.
صلاحيات الرئيس وسيناريو “العفو مقابل الاعتزال”
يتمتع الرئيس الإسرائيلي بصلاحية منح العفو عن المدانين، ولكن استخدام هذه الصلاحية لصالح رئيس وزراء لا يزال في سدة الحكم ويخضع للمحاكمة يعد سابقة معقدة. تاريخياً، شهدت إسرائيل حالات عفو مثيرة للجدل، مثل قضية “خط 300” في الثمانينيات، حيث مُنح مسؤولون في الشاباك عفواً قبل تقديمهم للمحاكمة. في السياق الحالي، يتم تداول سيناريو “صفقة الإقرار بالذنب”، والذي قد يتضمن عفواً رئاسياً مشروطاً باعتراف نتنياهو بالتهم المنسوبة إليه واعتزاله الحياة السياسية نهائياً، وهو مخرج يراه البعض وسيلة لإنهاء الأزمة السياسية المستمرة التي تسببت في جولات انتخابية متكررة وعدم استقرار حكومي.
التداعيات السياسية والاجتماعية المتوقعة
إن قبول الرئيس هرتسوغ لهذا الطلب، أو حتى مناقشته بجدية، يحمل في طياته تداعيات ضخمة على المستوى المحلي. فمن جهة، قد يؤدي العفو إلى تهدئة الشارع المؤيد لنتنياهو وإنهاء حالة الاستقطاب الحاد حول شخصه. ومن جهة أخرى، قد تراه المعارضة والمؤسسات الحقوقية ضربة قاصمة لمبدأ سيادة القانون والمساواة أمام القضاء، مما قد يشعل موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية التي ميزت الشوارع الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة برفض التعديلات القضائية.
الأثر الإقليمي والدولي
على الصعيد الدولي، يراقب الحلفاء والشركاء هذا المشهد عن كثب. استقرار القيادة السياسية في إسرائيل يؤثر بشكل مباشر على الملفات الإقليمية الساخنة. إن خروج نتنياهو من المشهد عبر عفو رئاسي قد يغير ديناميكيات التحالفات الحزبية داخل الكنيست، مما قد يفرز حكومة بتركيبة مختلفة وتوجهات سياسية مغايرة تجاه قضايا المنطقة. يبقى القرار النهائي بيد الرئيس والمستشارين القانونيين، في اختبار حقيقي لمتانة المؤسسات الديمقراطية في إسرائيل وقدرتها على الفصل بين المصالح السياسية والعدالة الجنائية.


