في خطوة تهدف إلى تعزيز منظومة الأمن الغذائي وحماية الصحة العامة، برز مؤخراً مقترح حيوي يدعو إلى إحالة قضايا التسمم الغذائي التي ينتج عنها حالات وفاة مباشرة إلى النيابة العامة، بدلاً من الاكتفاء بالإجراءات الإدارية التقليدية التي تتخذها البلديات والأمانات. يأتي هذا التوجه في إطار السعي لسد الثغرات القانونية وتغليظ العقوبات بما يتناسب مع حجم الضرر الواقع على الأرواح.
سياق المقترح وأبعاده القانونية
تاريخياً، كانت معظم حوادث التسمم الغذائي تُعامل كـمخالفات بلدية تستوجب الغرامة المالية أو الإغلاق المؤقت للمنشأة، إلا في الحالات التي يثبت فيها القصد الجنائي بشكل واضح. ومع تطور قطاع الأغذية والمشروبات وزيادة الاعتماد على المطاعم والوجبات السريعة، أصبحت الحاجة ملحة لتطوير التشريعات. يهدف المقترح الجديد إلى تكييف وقائع التسمم المفضي للموت كجرائم تستوجب التحقيق الجنائي الدقيق من قبل النيابة العامة، لتحديد المسؤولية التقصيرية أو الجنائية، سواء كانت ناتجة عن إهمال جسيم، أو غش تجاري، أو عدم التزام بالمعايير الصحية الصارمة.
أهمية التحول من المسؤولية الإدارية إلى الجنائية
تكمن أهمية هذا التحول في خلق رادع قوي للمنشآت الغذائية. فعندما يدرك القائمون على المطاعم ومصانع الأغذية أن التهاون في معايير النظافة والسلامة قد يقودهم إلى أروقة المحاكم والسجن وليس مجرد دفع غرامة مالية، فإن ذلك سيدفعهم لتبني أعلى معايير الجودة (مثل نظام الهاسب HACCP وشهادات الآيزو). هذا الإجراء يضع حماية المستهلك في المقام الأول ويؤكد أن حياة الإنسان خط أحمر لا يمكن التهاون فيه تحت ذريعة الخطأ غير المقصود الناتج عن الإهمال.
التأثير المتوقع على قطاع الأغذية والمجتمع
من المتوقع أن يُحدث تطبيق هذا المقترح نقلة نوعية في مستوى الخدمات الغذائية المقدمة. فعلى الصعيد المحلي، سيؤدي ذلك إلى تنقية السوق من المنشآت غير الملتزمة، مما يعزز ثقة المستهلكين والمواطنين في الرقابة الحكومية. أما اقتصادياً، فإن رفع معايير السلامة يعزز من سمعة السياحة والضيافة، حيث تعتبر سلامة الغذاء ركيزة أساسية في تقييم جودة الحياة في أي دولة. كما أن إشراك النيابة العامة يضمن حقوق الضحايا وذويهم في القصاص العادل والتعويض المناسب، مما يرسخ مبادئ العدالة والشفافية في التعامل مع الأزمات الصحية.
ختاماً، لا يعد هذا المقترح مجرد إجراء عقابي، بل هو خطوة تصحيحية ضرورية لضمان استدامة الصحة العامة، ودفع المستثمرين في قطاع الغذاء إلى الاستثمار في تقنيات السلامة والتدريب المستمر للعاملين، لضمان تقديم غذاء آمن وسليم للمجتمع.


