أعلنت الهيئة العامة للعقار في المملكة العربية السعودية عن تدشين مرحلة جديدة وموسعة من أعمال السجل العقاري، تشمل 499 حياً سكنياً وتجارياً وزراعياً موزعة على أربع مناطق رئيسية هي: الرياض، ومكة المكرمة، والقصيم، وحائل. وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية تتويجاً لجهود حثيثة تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع العقاري وتنظيمه وفق أحدث المعايير العالمية، حيث دعت الهيئة كافة ملاك العقارات في المناطق المستهدفة إلى التحقق من صكوكهم والمبادرة بالتسجيل عبر المنصة الرقمية المعتمدة.
من النظام الشخصي إلى التسجيل العيني: تحول تاريخي
يمثل هذا الإعلان نقطة تحول مفصلية في تاريخ التوثيق العقاري بالمملكة، حيث يتم الانتقال من “النظام الشخصي” الذي كان يعتمد لسنوات طويلة على أسماء الملاك في تتبع الملكية، إلى “النظام العيني” الذي يجعل العقار نفسه هو الأساس في التسجيل. بموجب هذا النظام، يُمنح كل عقار “رقم عقار” فريداً لا يتكرر، يرتبط بإحداثيات جيومكانية دقيقة تمنع التداخلات المساحية التي كانت تشكل تحدياً في السابق. هذا التحول يمنح الصكوك العقارية المسجلة في السجل العقاري “الحجية المطلقة”، مما يعني أنها تصبح وثائق نهائية غير قابلة للطعن، وهو ما ينهي حقبة من النزاعات القضائية المتعلقة بازدواجية الملكية أو عدم دقة الحدود.
السجل العقاري وركائز رؤية المملكة 2030
لا يمكن قراءة هذا التوسع في السجل العقاري بمعزل عن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تضع التحول الرقمي ورفع كفاءة الأصول الوطنية في صدارة أولوياتها. يُعد القطاع العقاري أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد غير النفطي، وقد عملت الدولة خلال السنوات الماضية على تهيئة البنية التشريعية اللازمة لنموه، بدءاً من تأسيس الهيئة العامة للعقار، وصولاً إلى إقرار نظام التسجيل العيني للعقار. يهدف هذا الحراك إلى خلق بيئة عقارية شفافة ومستدامة تساهم في رفع نسبة التملك السكني للأسر السعودية، وتعزيز جودة الحياة في المدن.
انعكاسات اقتصادية وجذب للاستثمار الأجنبي
يحمل هذا المشروع أبعاداً اقتصادية بالغة الأهمية على المستويين المحلي والدولي. محلياً، سيؤدي توثيق العقارات بدقة متناهية إلى رفع كفاءة السوق العقاري، وتسهيل عمليات التمويل والرهن العقاري، مما يزيد من سيولة السوق وسرعة تداول الأصول. أما على الصعيد الدولي، فإن وجود سجل عقاري مركزي وموثوق يعد متطلباً أساسياً لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ حيث يبحث المستثمرون العالميون وكبرى الشركات عن بيئات قانونية واضحة تضمن حقوق الملكية وتحمي الأصول من أي مخاطر قانونية غامضة، وهو ما يوفره النظام الجديد بامتياز.
آلية التسجيل ودعوة الملاك
وفي سياق الإجراءات التنفيذية، أوضحت الهيئة العامة للعقار أن عملية التسجيل الأول للعقارات في الأحياء المعلنة تتم بشكل مجاني تماماً عبر منصة “السجل العقاري”. ويشترط لإتمام العملية وجود صك إلكتروني محدث صادر عن وزارة العدل ومكتمل البيانات. وتناشد الهيئة الملاك سرعة الاستجابة خلال المدة المحددة لتفادي أي غرامات أو تعقيدات مستقبلية، مؤكدة أن فرق العمل الميدانية والرقمية تعمل بوتيرة متسارعة لتغطية كافة مناطق المملكة وفق الجدول الزمني المعتمد، لضمان حفظ حقوق الأجيال الحالية والقادمة.


