في تصريحات تعكس عمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها طهران، وصف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني وضع بلاده الحالي بأنه عالق في مرحلة ضبابية يمكن تسميتها بـ «لا حرب ولا سلام». هذا التوصيف الدقيق لا يعبر فقط عن حالة الجمود العسكري، بل يشير إلى استنزاف مستمر للموارد الإيرانية في ظل غياب أفق سياسي واضح، وهو ما يضع صناع القرار في طهران أمام تحديات وجودية غير مسبوقة.
السياق التاريخي للأزمة والاتفاق النووي
لفهم أبعاد هذا التصريح، يجب العودة إلى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى عام 2015 حين وقعت إيران الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، والذي كان بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الإيراني. إلا أن الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق في عام 2018، وإعادة فرض العقوبات تحت سياسة «الضغوط القصوى»، أدخلا طهران في نفق مظلم. حاولت حكومة روحاني حينها الحفاظ على مكتسبات الاتفاق من خلال الدبلوماسية مع الأطراف الأوروبية، إلا أن العجز الأوروبي عن تعويض الخسائر الإيرانية جعل طهران في مواجهة مباشرة مع العقوبات الأمريكية القاسية دون حماية.
استراتيجية «لا حرب ولا سلام» وتأثيرها الاقتصادي
إن حالة «لا حرب ولا سلام» تعتبر، وفقاً للمراقبين، أكثر ضرراً من الحرب المباشرة في بعض الجوانب الاقتصادية. ففي حالات الحرب، يتم تعبئة الموارد وتوجيه الاقتصاد نحو المجهود الحربي بوضوح، أما في هذه الحالة الضبابية، فإن حالة عدم اليقين تقتل الاستثمار الأجنبي وتدفع رؤوس الأموال المحلية للهروب. يعاني الاقتصاد الإيراني نتيجة لذلك من تضخم متسارع، وانهيار في قيمة العملة المحلية (الريال)، وارتفاع معدلات البطالة، مما يزيد من الضغط الشعبي على النظام السياسي.
الأبعاد الإقليمية والدولية
على الصعيد الإقليمي، تخلق هذه الحالة توتراً دائماً في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في مياه الخليج ومضيق هرمز. فإيران التي تشعر بأنها محاصرة اقتصادياً قد تلجأ إلى سياسات حافة الهاوية لتذكير العالم بأهميتها الجيوسياسية، مما يبقي المنطقة على صفيح ساخن. دولياً، يمثل هذا الوضع معضلة للدبلوماسية الغربية التي تسعى لمنع طهران من تطوير سلاح نووي دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة قد تكون تداعياتها كارثية على أسواق الطاقة العالمية.
مستقبل غامض وخيارات صعبة
تضع تصريحات روحاني النقاط على الحروف فيما يخص الصراع الداخلي بين التيار المعتدل الذي يرى ضرورة العودة للمفاوضات لكسر هذا الجمود، وبين التيار المتشدد الذي يفضل «الاقتصاد المقاوم» وتحدي الغرب. ومع استمرار هذا الوضع، تبقى إيران معلقة بين خيارين أحلاهما مر: إما تقديم تنازلات مؤلمة للعودة إلى المجتمع الدولي، أو الاستمرار في هذا المسار الذي يستنزف مقدرات الدولة ويهدد استقرارها الاجتماعي على المدى الطويل.


